أكثر المدن سخونة في ألمانيا تواجه الاحترار بسلاح الطبيعة
تعد فرانكفورت واحدة من أكثر المدن دفئاً في ألمانيا، حيث سجلت درجة حرارة قياسية بلغت 40.2 درجة مئوية (104 فهرنهايت) في عام 2019، كما تتجاوز حرارتها صيفاً الـ30 درجة مئوية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تشعر المدينة بالاختناق؛ حيث تمتص الأحياء المركزية الكثيفة حرارة النهار وتطلقها بمجرد غروب الشمس، كما أن عدد قليل من المباني لديها تكييف الهواء.
وهناك ثلاثة أنظمة للرياح تعمل في فرانكفورت، تساعد في جعل الحياة محتملة خلال أيام وليالي الصيف الحارة. ومع احتمال حدوث المزيد من الاحترار في المستقبل، فإن مجلس المدينة مصمم على استغلال أي هواء نقي يتدفق.
أطلس مناخي وممرات للرياح.. لتبريد فرانكفورت
لقد تعاون المخططون الحضريون والمهندسون المعماريون والعلماء منذ عدة سنوات لإنشاء أطلس مناخي لم يحدد فقط المناطق الأكثر سخونة في المدينة، بل أيضًا ممرات الرياح التي يمكنها تبريدها.
وعززت فرانكفورت أيضًا مبادرات أخرى للمساعدة في خفض درجات الحرارة في المباني والشوارع، منها؛ بناء وتجهيز حدائق الأسطح، وجعل الواجهات الخضراء إلزامية للمساكن الجديدة.
وتُعد القواعد المحلية المتعلقة بالمساكن السلبية المعزولة جيدًا ومنخفضة الطاقة من بين القواعد الأكثر صرامة في أوروبا. وتقوم السلطات بتجربة الأرصفة المسامية، وتوفر نوافير في الشوارع لترطيب وتلطيف الطقس، وتوفر أكثر من 200 ألف شجرة ظل في جميع أنحاء المدينة.
- بدعم ليوناردو دي كابريو وأبوظبي.. هكذا تصبح صناديق المناخ فرص استثمار واعدة
- لندن تعلن نجاح خطة «أوليز» في خفض الانبعاثات.. بيانات تدعم أنصار المناخ
التكيف مع الاحترار
لكن ما زال الوقت مبكرًا على مسار التكيف مع الحرارة في فرانكفورت، ولا تزال هناك حاجة إلى المزيد من العمل لرفع مستوى الوعي بمخاطر درجات الحرارة المرتفعة.
وفي عام 2023، توفي حوالي 3200 شخص في ألمانيا بسبب الحرارة، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد مع ارتفاع درجة حرارة الجو.
وفقاً لوكالة أنباء "بلومبرغ"، فمخاوف السكان آخذة في التصاعد من صعوبة السيطرة على التغيرات المناخية، واتساع نطاق تداعياتها على مفاصل الحياة في المدن، ولكن أيضًا بشأن ما إذا كانت الأجيال القادمة ستتمكن من التكيف وكيف، كما قال الرئيس التنفيذي المشارك في شركة أبحاث المناخ "ويذر بارك" والذي أسهم بإعداد خطة "ماتياس راثيزر" تبريد المناطق الحضرية في فرانكفورت.
ناطحات السحاب.. نهج تبريد استباقي
فيما تعد خطة تطوير ناطحات السحاب الجديدة -التي وافق عليها مجلس المدينة في منتصف يونيو/حزيران- أحدث مثال على النهج الاستباقي الذي تتبعه فرانكفورت. ويأتي مع فصل كامل من تحليل المناخ يسلط الضوء على "الأهمية المركزية" لأنظمة الطقس في التبريد وجلب الهواء النقي إلى المناطق الحضرية، وخاصة خلال موجات الحر في الصيف.
وفي تطور جديد، دخلت أنظمة للرياح حيز الخدمة للمساعدة في الحد من الاحترار وتبريد الهواء خلال فصل الصيف.
وتأتي الرياح الأقوى والأكثر تواتراً من الناحية الجنوبية والجنوبية الغربية بسرعة 4.5 متر في الثانية (في المتوسط) أو 10 أميال في الساعة.
والأكثر أهمية لتبريد المدينة ليلاً هو نظام الرياح الإقليمي الذي يصل إلى فرانكفورت من قطعة أرض تعرف باسم Wetterau في الشمال الشرقي. بعد غروب الشمس، يبرد الهواء هناك بسرعة ويتدفق إلى المدينة، فقط عندما تطلق الخرسانة في وسط المدينة الحرارة التي تلتقطها خلال النهار. كما توفر العديد من أنظمة الرياح المنخفضة المحلية، التي تحمل الهواء النقي من سلسلة جبال تاونوس القريبة أو شرق فرانكفورت، بعض الراحة الإضافية.
ويرى أحد مخططي المدينة الذين يركزون على التصميم وعلم المناخ أوفي فال، أن الرياح القادمة من فيتيراو هي "أكبر شريان حياة" خلال الصيف، وبفضلها تنخفض درجات الحرارة بدءًا من الساعة 11 مساءً أو قبل ذلك لما دون 20 درجة مئوية.
وفي منطقة المصارف، تساعد ناطحات السحاب على احتجاز الرياح وتحويل مسارها يميناً ويساراً ولأعلى ولأسفل، ولذلك عندما ترتفع درجات الحرارة في الصيف تظل المنطقة هي الأكثر راحة بالمدينة.
وبالنسبة للأحياء السكنية، ثمة ممران طبيعيان لتيارات الرياح يحيطان بالمدينة الأول؛ عبر نهر ماين حيث الرياح ومنها القادمة من فيتيراو، ونهر نيدا حيث ينتقل الهواء البارد من سفوح التلال القريبة إلى المناطق المحيطة.
وتعمل المسارات المؤدية لمحطة القطارات الرئيسة والميناء الشرقي والشارع الجديد بعرض 60 مترًا غربي المدينة، بوصفها قنوات مساعدة لتدفق الهواء إلى وسط المدينة.
وتظهر خرائط المناخ، مثل تلك التي أنشأها لوتز كاتشنر، الباحث في المعهد الألماني لمفاهيم المناخ والطاقة، لفرانكفورت قبل عقد من الزمن، كل هذه الخرائط، بالإضافة إلى قدرة أجزاء مختلفة من المدينة على تخزين الحرارة، وكيف يمكن تحسين التخطيط الحضري.
وأضاف أن "التوصية الأولى هي دائما ربط هذه الممرات الجوية، ولكن أيضا إبقائها واضحة، وليس بناء المزيد من المنازل فيها". ورغم أن أداء فرانكفورت كان جيداً من الناحية الأولى، حيث أنشأت حزاماً متصلاً جيداً يتألف من 45 متنزهاً و350 مساحة خضراء، فإن النقص المزمن في المساكن يجعل تحقيق هذه الأخيرة أكثر تعقيداً.
وتحتاج فرانكفورت إلى نحو 68 ألف شقة جديدة بحلول نهاية العقد. ويواجه مشروع مخطط له في شمال غرب المدينة لتزويد عُشر تلك المناطق بمقاومة من السكان، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الأرض -المستخدمة حاليًا للزراعة- تنتج الهواء البارد للأحياء المحيطة.
وقال كاتشنر: "هذا هو التحدي الأكبر: تطوير استراتيجية تلبي الطلب على الإسكان وتتمكن المناطق السكنية الجديدة من التعامل مع ذلك" من منظور مناخي.
بالنسبة للأحياء الأكثر كثافة في فرانكفورت، بما في ذلك المناطق السكنية خارج الحزام الأخضر مثل نورديند وويستند، فإن الاعتماد على الرياح للتبريد ليس كافياً. وينصب التركيز على منع تلك الأحياء من الاحترار في المقام الأول.
تخضير أسطح وواجهات المباني
وتنص القوانين المعمول بها منذ شهر مايو/أيار الماضي على أن جميع المباني الجديدة -وكذلك المساحات المفتوحة المحيطة بها- يجب أن تكون مصممة بطرق تتكيف مع المناخ. وهذا يعني أن الأسطح والواجهات يجب أن يتم تخضيرها "على نطاق واسع"، ويجب تجنب منع التسرب وإنشاء مناطق مظللة. لم يعد مسموحًا بالحدائق المرصوفة بالحصى والأسوار الخاصة العالية.
وقالت تينا زابف رودريجيز، مستشارة المدينة الجديدة لشؤون المناخ والبيئة والمرأة، التي تتولى منصبها منذ منتصف يوليو/تموز: "الحدائق المرصوفة بالحصى من المحرمات في فرانكفورت، فهي تسخن فقط، والحشرات لا تأكل الحجارة". "بدلاً من ذلك، هناك قواعد بشأن التخضير، للأسطح، على سبيل المثال. الأسطح الخضراء ليست جيدة فقط للمناخ الحضري، بل أنها تساعد على توفير طاقة التدفئة.
ولا تزال الواجهات الخضراء نادرة نسبياً في فرانكفورت، وقد أثار البعض انتقادات لأن النباتات يتم تعليقها ببساطة في الخارج بدلاً من زراعتها في التربة. لكن الأسطح الخضراء تنمو بسرعة في جميع أنحاء المدينة.
وقام مطار فرانكفورت، وهو أحد أكبر المطارات في أوروبا، بتخضير العديد من أسطحه الواسعة منذ عام 1990، في حين أن سكاي لاين بلازا، وهو مركز تسوق كبير، يوفر إمكانية التخييم طوال الليل في حديقته على السطح خلال العطلات المدرسية الصيفية.
وقام المطور ستيفان ريجر بتصميم وبناء ورعاية الحدائق في منطقة فرانكفورت لمدة 25 عامًا، وهو يشهد طلبًا متزايدًا على المساحات الخضراء فوق المباني. ويشتمل الآن واحد من كل أربعة من مشاريعه على الزراعة على الأسطح.
وأحد الأشياء التي يفتخر بها بشكل خاص هو مساحة تبلغ 250 متراً مربعاً أنشأها لعائلة مكونة من أربعة أفراد في جنوب فرانكفورت. وقد تم دعمه من قبل المدينة بمنحة قدرها 50 ألف يورو، وفاز في مسابقة وظهر في معرض في متحف الهندسة المعمارية الألماني.
وقال خلال إحدى زياراته المنتظمة للمكان الذي يتمتع بإطلالات رائعة على الأفق: "لم يكن لدى المطورين أي رؤية.. لكنني والمالكين الجدد فكرنا على الفور بشكل كبير".
aXA6IDMuMTQ1Ljk3LjIzNSA= جزيرة ام اند امز