حرب الحوثي تطال الحرف اليدوية.. يمنيون يصارعون من أجل مهنة الأجداد
تجلس فاطمة الهاملي القرفصاء تحت وهج الشمس الحارقة بانتظار زبائنها وسط سوق شعبي غربي اليمن، فيما تتناثر أمامها أدوات بألوان زاهية من صناعة سعف النخيل.
وتعد الصناعات السعفية من أقدم الصناعات الحرفية في اليمن وتستمد عطاءاتها من شجرة النخيل إلا أن هذه الحرفة باتت مهددة بالاندثار خصوصا في معاقلها الرئيسية كالسهل التهامي وذلك إثر حرب الحوثي وتقطيع أوصال البلاد.
تقول السيدة اليمنية فاطمة الهاملي (50 عاما) والذي تبتاع الحصير والمصارف في سوق حيس الشعبي جنوبي محافظة الحديدة (غرب) إن الصناعات السعفية التي كانت تلاقي رواجا قبل الحرب تراجعت إلى حد كبير إثر عزوف المشترين.
وتضيف السيدة اليمنية في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار منتجات الصناعات السعفية كالمصارف التي تبلغ سعر الواحدة إلى 3000 ريال (2 دولار ونصف)، والقفاف (حصيرة دائرة الشكل تستخدم لتجفيف حبوب الذرة) إلى 5 آلاف نحو (4 دولارات).
وأوضحت الهاملي أن سبب ارتفاع أسعار المنتجات السعفية يأتي إثر انعدام سعف النخيل، من المناطق المجاورة نتيجة، تلغيم ميلشيات الحوثي الإرهابية للمزارع القريبة من قريتها واستخدامها كثكنات عسكرية، أدت في النهاية إلى موت النخيل، ما ضاعف من مشقة جلب السعف وشرائه أحيانا بمبالغ كبيرة.
صناعة الفخار
في سوق حيس الشعبي نفسه، يعتلي الطفل علي المدار البالغ من العمر 14 عاماً، عتبة على رحى متحرك، وبيده كمية من الطين على وشك الانتهاء من صناعة حجر فخار حرفي.
ففي كوخ داخل معمل قديم، في مديرية حيس جنوبيّ محافظة الحديدة غربي اليمن، يجتهد الطفل للحفاظ على هذه المهنة القديمة التي توارثتها العائلة من 4 أجداد.
فمنذ ثلاث سنوات استعاد علي ووالده نشاط هذا المعمل، بعد 4 أعوام من النزوح والتشرد بسبب حرب مليشيات الحوثي الإرهابية وحصارها للمدينة.
ويعرف آل المدار "صانع الفخار" في محافظة الحديدة، لا سيما حيس وزبيد والجراحي، بخبرتهم الحرفية في صناعة أنواع مختلفة من الفخار وأقدمهم في اليمن، كما تعتبرها العائلة مصدر دخلهم الوحيدة وإرث أجدادهم الممتد إلى الدولة الرسولية، حيث يكافح الطفل ووالده لعدم اندثار هذه المهنة رغم الظروف المرتبطة بالصنعة.
ويقول محمد المدار والد الطفل: "نصنع جميع أشكال الأواني الخاصة بالطعام والطهي، في الأفران وأحيانا التماثيل والتحف والديكورات، وأحجار الشيشة المداعة".
ويضيف في تصريح لـ "العين الإخبارية": "أداء انقطاع الخطوط وعزل المحافظات عن بعضها، في الحصار الذي تفرضه ميلشيات الحوثي الإرهابية على مدن اليمن تأثرت مبيعاتنا وتكدست حتى قل الطلب على المنتجات التي نصنعها".
وأوضح الرجل البالغ من عمره 45 عاماً: "تمر علينا أسابيع دون بيع ما يكفي لاحتياجات المعمل، ونفقات المنزل من الطعام".
ويسرد بحسرة ما آل إليه معمله ومنتجاته، "كنا في السابق نسوق منتجاتنا على أغلب الأسواق الشعبية، وكانت مفتوحة أمامنا كسوق الجراحي القريب وسوق زبيد وبيت الفقية، والذهاب إلى بما تبقى إلى أسواق محافظة إب ومحلاتها القريبة، لكننا اليوم ننتظر أن يطل علينا أحدهم ليبتاع منا أحد منتجاتنا لأجل رمق العيش".
المشغولات الحرفية تندثر
ورغم الجدوى الاقتصادية الكبيرة التي يجنيها الناس من الحرف اليدوية إلا أن تلك الصناعات ظلت على حالها البدائي، ولم تحظَ بالدعم والتشجيع لمحترفيها.
وضاعفت حروب مليشيات الحوثي خسائر غالبية هذا الصناعات الحرفية اليدوية في اليمن، مما أداء إلى انحسار الموروث الثقافي التراثي الضخم الذي ظل يتباهى به اليمنيون منذ قرون وحتى اليوم.
وتلاشت أعداد الحرفيين المهرة، لعدم إقبال الأبناء على تعلم هذه الحرف من آبائهم، ونتيجة تجنيد الأطفال من قبل ميلشيات الحوثي لطمس ما تبقى من موروث ثقافي لليمنيين، الذين ظلوا يتوارثونها أباً عن جد، وإغلاق الكثير من الصناعات التقليدية لا سيما المنحوتات الفضية والنحاسية والحدادة.
ولم تكن الحرف الأخرى بمعزل عن هذه المهن الحرفية، التي تعرضت للاندثار أو الطمس الممنهج دون مسؤولية ومبالة انتهجتها ميلشيات الحوثي منذ انقلابها على مؤسسات الدولة.
وأدت حرب الحوثي إلى ركود كبير في هذا القطاع في العديد من المحافظات منها محلات الفضة والخناجر والخزف والفخار، ما جعل ملاك المشغولات اليدوية يخيرون بين الحفاظ على مهنة الآباء والأجداد وبين لقمة العيش في مهن أخرى.
ومنذ سيطرت ميليشيات الحوثي الإرهابية على صنعاء، وعدد من المحافظات عام 2014، باتت الحرف اليدوية مهددة بالاندثار بسبب سنوات الحرب والحصار المفروض على المحافظات وتمنع سهولة التنقل وحركة المسافرين.
وإثر ذلك الحصار عزف المواطنين عن اقتناء بعض المصنوعات، مثل الفخار لتلفها في الطريق الطويل الذي يمتد لساعات وأحيانا لأيام، من منطقة إلى أخرى.