حرب الحوثي تقذف فناني اليمن للعراء.. أصابع "السقاف" تعزف ألما
من داخل كوخ يتخذه مأوى وسط مدينة تعز اليمنية، يصدح الفنان الشعبي صبري السقاف بأغنياته التي تصل إلى أسماع المارة، حاملة معها المرارة وقسوة العيش والخذلان.
من "زهور وحنين"، إلى "سالم مسعدة" و"شاءت إرادتنا"، و"يا حمائم بالله تسجعي"، وغيرها من الأغنيات الشعبية، التي حملت هموم المواطن، صدحت بها حنجرة السقاف رغم ما يعانيه من فقر وتشرد وسط الحرب الحوثية.
والسقاف هو أستاذ للغة العربية وفنان وكاتب مسرحي، عمل في مهن عدة قبل اجتياح الحوثي لمدينة تعز، لكن بعد اشتعال الحرب وانعدام فرص العمل وانهيار الوضع المعيشي الناتج عن حصار المليشيات للمحافظة المصنفة عاصمة ثقافية للبلاد، باتت آلة العود هي رفيقه الوحيد.
الحرب أغلقت كل الأبواب
بالنسبة للأوضاع قبل الحرب، يقول صبري السقاف لـ"العين الإخبارية": "كنت أجد لنفسي مصادر للرزق، لكن الحرب لم تترك لنا أي شيء، لم تترك لنا أي باب نقتات منه، وهذا مأساة مرت بها اليمن بأسرها".
ويؤكد السقاف أن "الفنان هو كتلة مشاعر وأحاسيس لكنها وسط الحرب تموت"، مشيرا إلى أن الحرب أنهت كل شيء بما فيه الفن والمشاعر التي ذبلت وخفت بريقها.
يشير إلى أنه كان يعمل مدرسا إلى عام 1998 حتى "سقط اسمي بعدها أصبحت بلا عمل وأصبحت هذه الآلة عبارة عن هواية أمارسها بقدر ماهي مهنة بالنسبة لي، اتجهت إليها بعد أن سدت الحياة أبوابها في وجهي".
ويضيف أن أغنياته ركزت على "قضية معاناة الموظف البسيط، ومعاناة الإنسان الضعيف الذي جسدها في أغنية أسماها (سالم مسعدة) وخصومته مع شخص وما حصل له من ظرف حتى دخل الحبس.
كما جسد في أغنياته "معاناة فتاة لم تتزوج"، والشاب الذي يتزوج ويقدم على مشروع جديد من أجل تكوين الأسرة وقضايا ارتبطت بالإنسان في مسقط رأسه، وفقا لسقاف.
وعن رسالته للشعب اليمني، دعا السقاف الأجيال المقبلة إلى العيش بسلام والتعلم من الأحداث التي مرت بها البلاد وأخذ العبر وتلافي كل الأخطاء السابقة والقيام بتصحيح الأوضاع لبناء بلد يهتم بالفن والفنانين.
كفاح مرير
السقاف ليس وحده من قذفته الحرب إلى التشرد والبحث عن عمل وسط الشتات والدمار، وإنما واحد من بين آلاف اليمنيين المبدعين الذين يكافحون من أجل البقاء.
ولا تختلف قصة السقاف كثيرا عن الفنان التشكيلي أحمد عباس الذي اعتاد قبل سنوات العيش حياة هانئة في صنعاء، المدينة المعروفة بتراثها الفني، لكن انقلاب مليشيا الحوثي أجبره على ترك حياته في العمل الإبداعي.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، كان عباس قد انتقل إلى مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز (جنوب) من أجل تغطية نفقاته وإعادة الاتصال بجذوره الفنية في المخا، لكنه واجه العديد من التحديات، وكان نقص التمويل والمواد المطلوبة تعد أبرزها.
ورغم العقبات الكثيرة التي اعترضت حياته الجديدة، إلا أنه لم يفقد الأمل، إذ بدى مصمما على إحياء شغفه بالنحت مقدما مجموعة من المقترحات للسلطة المحلية بإنشاء منحوتات تكرم تاريخ تجارة البن في مدينة المخا المدينة التي كانت ذات يوم في قلب اقتصاد اليمن، عندما كان تنقل شحنات القهوة إلى العالم خلال القرن السابع عشر الميلادي.
ولإحياء ذلك المجد ابتكر عباس بالفعل نموذجا فنيا واحدا عند مدخل المدينة، آملا أن يؤدي ذلك إلى المزيد من تلك الأعمال في المستقبل.
يقول عباس لـ"العين الإخبارية"، إنه قدم عرضا للسلطة المحلية في هذه المدينة المطلة على البحر الأحمر لإنشاء منحوتات تحيي ذكرى ماضيها العريق في تجارة القهوة، إلا أن غياب التمويل المالي أعاق تنفيذ ذلك.
والرسام والتشكيلي الذي أمضى سنوات في تدريس الفن في جامعة صنعاء، وعمل في نحت وتشكيل الكثير من المجسمات الفنية، أجبرته مليشيا الحوثي على الفرار من منزله في صنعاء، وقامت بمصادرة المنزل، ليستقر كنازح في بلدات الساحل الغربي لليمن.
رغم مصاعب التهجير، إلا أنه بدا مصمما على الاستمرار في تكييف أصابعه مع الفن الذي أتقنه في محاولة منه للحفاظ على حرفته وتجنب النسيان، في قصة تسلط الضوء على نضال المهجرين من قبل مليشيا الحوثي، وشغفه في الحفاظ على الفن والثقافة رغم الظروف الصعبة التي يعيشها.