اختطاف مليشيا الحوثي سفينة "روابي"، التي تحمل علم الإمارات، لا يجب أن يمر ككثير من الحوادث الشبيهة.
إن ظرفية التوقيت وأهمية المكان تتطلب من الدول الخليجية والدول المطلة على البحر الأحمر، بل دول العالم أجمع، موقفا حاسما وحازما مع مليشيا الحوثي الإرهابية حتى لا تتكرر تلك الأحداث التي تأتي أوامرها من طهران.
وجب هنا قطع الطريق على إيران بعدم إدراج البحر الأحمر ضمن ملاعبها، التي تمارس فيها إرهابا، تحوّله إلى أوراق ضغط في يد مفاوضها أمام الغرب وأمريكا في فيينا حول الملف النووي.
فإيران عبر أذرعها في العراق ولبنان واليمن زعزعت أمن واستقرار الإقليم، خصوصا أن حوادث اختطاف السفن والاعتداء عليها تكررت من قبل مليشيا الحوثي -المدعومة من إيران-عبر استخدامها ميناء "الحديدة" اليمني على البحر الأحمر.
ففي أكتوبر 2016 أطلق الحوثيون صاروخا أحدث أضرارا في سفينة "سويفت 2"، وفي الشهر نفسه تعرضت ثلاث سفن حربية تابعة للبحرية الأمريكية لإطلاق صواريخ عليها أيضا من قبل مليشيا الحوثي قبالة السواحل اليمينة على البحر الأحمر.
وفي 2017 هاجمت ثلاثة زوارق حوثية سفينة سعودية في المكان نفسه، وفي 2018 هاجم الحوثيون بصاروخ ناقلةَ نفطٍ كبيرةً ترفع العلم السعودي، وفي 2019 خطفت مليشيا الحوثي قاطرة بحرية في جنوب البحر الأحمر، وفي 2020 زرعت المليشيا لُغما بحريا ارتطم بسفينة شحن تجارية.
أضف إلى ذلك الزوارق المفخخة، التي اعتادت تلك المليشيا استخدامها. فإيران عبر مليشيا الحوثي أحدثت حالة إرهابية على الحدود اليمنية السعودية، ونفذت اعتداءات على منشآت مدنية ونفطية، ما يمثل قلقا كبيرا على تجارة النفط الحيوية في العالم.
إن اختطاف السفينة "روابي"، التي ترفع علم دولة الإمارات، وهي في مهمة إنسانية لحمل معدات ومواد طبية لاستكمال تأسيس وإنشاء مستشفى لضحايا هجمات الحوثي، هو عمل إرهاب دولي متعمّد.
كذلك فإن توقيت الاختطاف نفسه يطرح كثيرا من التساؤلات، أولها تزامن عملية الاختطاف مع ذكرى مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ما يؤكد أن المُشغّل وصاحب الأوامر واحد.
أيضا في التوقيت نفسه دمر التحالف الدولي في العراق مُسيّرتين أُطلقتا على قاعدة عسكرية في مطار بغداد.
إذًا البحر الأحمر كما بغداد كما صنعاء وبيروت أصبحت مستهدفات للأذرع الإيرانية، ما يوجب التحرك الدولي، لأن الأمر خرج عن إطار أزمة يمنية إلى أفق تهديد الملاحة والتجارة العالمية.
التحرك الخليجي هو الأسرع في مثل هذه الحالات، فمجلس التعاون الخليجي به قيادة عسكرية مشتركة، "درع الجزيرة المشتركة"، تم إقرارها عام 1982، هدفها تحقيق الأمن والاستقرار ومواجهة أي اعتداءات وتحديات أمام الأمن القومي الخليجي.. تلك القوة تشكّل ذراعا ضاربة وقادرة على التصدي بحرا وبرا وجوا.
كما أن لـ"درع الجزيرة" ظهيرا قويا، هو قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية، والتي تشكلت عام 2015 بناء على طلب من الحكومة اليمنية الشرعية.
القوة الأخرى، التي يجب إشراكها في تحقيق الأمن القومي المائي بشقيه العربي والأفريقي، هو "مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، والذي دعت إلى إنشائه المملكة العربية السعودية وعقد أول اجتماع تأسيسي له في عام 2020، بعد التهديدات التي رافقت مقتل قاسم سليماني.. هذا المجلس مكون من ثماني دول يغلب عليها الحضور العربي، لأن البحر الأحمر هو بحر عربي بامتياز، كما أنه ممر هام للعالم كله، إذ تمر منه 60% من احتياجات أوروبا النفطية و25% من احتياجات أمريكا النفطية.
الخطر الأكبر الذي لا يجب تجاهله هو تحرك الأذرع الإيرانية للوصول إلى تهديد الملاحة الدولية في مضيق "باب المندب"، ما يعني أيضا تهديدا إيرانيا للعرب وأفريقيا بأكملها.
المؤكد أن الدول العربية لن تنتظر أحدا في حماية أمنها القومي من التهديدات الإيرانية، إذ كثيرا ما تنقلب مليشيا الحوثي على اتفاق ستوكهولم، وهو اتفاق الهدنة في منطقة "الحديدة" اليمنية، الموقع عام 2018، والذي تستغله مليشيا الحوثي لتنفيذ أجندة النظام الإيراني وسياساته لنشر الفوضى والإرهاب في المنطقة وتهديد المصالح الدولية، في ظل عدم فاعلية القوة الأممية الموجودة في "الحديدة"، والتي لم تمنع تجاوزات وتهديدات "الحوثي".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة