يحفل الموروث الأدبي الفارسي، بشطرٍ كبير من الأمثال التي تشي بنزعات الذهنية الفارسية التي تتقلّب بين الشك والانتهازية والتآمر، والتي ربما تحتاج لدراسة نفسية متعمقة للوقوف أكثر على هذه الذهنية المتقلّبة، هنا، أود الإشارة إلى أنه استوقفني وأنا أكمل الحديث عن
يحفل الموروث الأدبي الفارسي، بشطرٍ كبير من الأمثال التي تشي بنزعات الذهنية الفارسية التي تتقلّب بين الشك والانتهازية والتآمر، والتي ربما تحتاج لدراسة نفسية متعمقة للوقوف أكثر على هذه الذهنية المتقلّبة، هنا، أود الإشارة إلى أنه استوقفني وأنا أكمل الحديث عن اللوبي الإيراني في واشنطن، مَثَلان يكملان بعض، وكلاهما بنفس النزعة الانتهازية، يقول الأول «نوم الحارس مصباحٌ للسارق»، بينما يُكمِل له الثاني بقوله «اليد الناعمة تقود الفيل بشعرةٍ واحدة»!
الإيرانيون أثبتوا طيلة تاريخهم أنهم أصحاب نَفَسٍ طويل، وأنّ بإمكانهم التعاون مع كل شياطين الدنيا، إن كان في ذلك تحقيقٌ لأهدافهم، وتخصصوا في اللعب في الزوايا المظلمة المنسيّة، وعلى المسارح التي لا يُنتَبَهُ لها، ففيها لا ينام الحارس، بل لا يوجد حارس في الغالب، للأخذ على يد السارق، فأتقنوا اللعب، لدرجة أنهم لم يُلغوا التأثير العربي في أروقة مراكز اتخاذ القرار الأميركية فقط، بل جاوزوها ليتفوّقوا على كيانٍ عُدَّ لزمنٍ طويل بأنّه المحرّك الأساسي للسياسة الأميركية، وعلى عتباته يتزلّف المرشحون لرئاسة الدولة العظمى، وفوق منصّاته يتعهدون ويرسلون الوعود لدعم توجهات ذاك الكيان، وجعلها بوصلة السياسة الخارجية في الشرق الأوسط، إن حصلوا على مباركتهم ودعمهم وفازوا، نعم يا سادة، لقد أسقط الإيرانيون اللوبي اليهودي العملاق IPAC، بالضربة القاضية، في ما يخص الملف النووي الإيراني، واستطاعوا قيادة الفيل دون أن يشعر أحد إلا متأخراً جداً!
في مقابلة مع تريتا بارسي رئيس اللوبي الإيراني NIAC، للحديث عن صعوبات تمرير الاتفاق النووي الإيراني، في ظل معارضة IPAC الشديدة له، قال: «إنّ لوبي إسرائيل ليس معصوماً عن الخسارة، ويمكن للوبي فتِيّ أن يهزم الإسرائيليين بالتحالف مع تيارات داخلية»، وهو ما فعله الإيرانيون بالتحالف مع اللوبي اليهودي المعارض J Street، وتوجيه سيلٍ هائل من الهجوم على رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، والذي أدمن استخدام اللوبي الصهيوني كورقة ضغط محرجة على الإدارة الأميركية، لدرجة جعلت المحلل السياسي «عوزي برعام»، يقول في مقال له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية: «نتنياهو يحارب الإدارة الأميركية وأوباما في وطنه وبين شعبه، فالمعضلة التي يقف أمامها اللوبي الصهيوني واليهود الأميركيون، هي (ازدواجيه الولاء) بين مستقبل دولتهم إسرائيل، ومستقبل مصالحهم في الولايات المتحدة» ثم يُشير لتلك الثغرة الخطيرة التي لعب عليها لوبي إيران لتركيع اللوبي الصهيوني، وهي إظهاره لليهود الأميركان، من خلال ضغطهم لتمرير أجندات حكومة نتنياهو «كأعداء للأمّة الأميركية»!
تريتا بارسي هذا، كان في بداياته مستشاراً لعضو الكونغرس عن الجمهوريين، روبرت ني، حيث استخدم قربه منه، ليصبح مقرباً من المستشارين الرئاسيين لجورج بوش الابن وأوباما، وحالياً يعتبر شخصاً عالي الأهمية VIP في البيت الأبيض، ويقدم خدماته الاستشارية لفاليري جاريت مستشارة أوباما الإيرانية المولد والهوى، والتي يُنظَر لها كصاحبة القرار الرئيس في ما يخص الشرق الأوسط، كما يُقدِّم بارسي استشاراته أيضاً للحكومة وجهاز المخابرات المركزية CIA، نعم، من جديد يا سادة: المخابرات المركزية بشحمها ولحمها!
في المقابل، ركّز الشخص الآخر في اللوبي الإيراني المكمّل للوبي بارسي، والمسمّى IAPAC، حسن نيمازي، للتوغل في صفوف الديمقراطيين، ووصلت الثقة به ليكلفه السيناتور تشاك شومر، أحد أكبر معارضي هيمنة اللوبي الصهيوني، ليكون الرئيس المالي لحملة الديمقراطيين لمجلس النوّاب، بينما أصبح شومر متحدثاً مألوفاً في لقاءات وندوات لوبي إيران، رغم معارضته للاتفاق النووي الإيراني، إذن، لماذا هذا الاحتفاء به؟، إنها سياسة اليد الناعمة لجذب الفيل، فهناك مسار آخر قدّم فيه هذا السيناتور هديةً تنتظرها إيران للتخلّص من خصمها الإقليمي الأكبر، وتحويله من حليف مأمون إلى عدوٍ غادر، للتذكير فقط، فتشاك شومر هذا، هو من قاد معركة إقرار قانون جاستا لمقاضاة السعودية عن هجمات سبتمبر، وكان السبب الرئيس في إسقاط فيتو الرئيس الأميركي لنقض القانون!
الخبث السياسي لم يتوقف هنا، فعندما كان اللوبي الصهيوني مضطراً لكشف تمويله القادم من إسرائيل، امتثالاً للقوانين، كان لوبي إيران يتحايل على تلك الأموال التي تأتيه، ليبدو لوبي إسرائيل «مُسيّساً» وذا أجندة تخدم دولة خارجية، بينما لوبي إيران يبدو كجهد أفراد لخلق تقارب دون تسييس لرؤيتهم وجهودهم، وقد اجتهد تريتا بارسي ومعاونوه في الحصول على دعمٍ مالي من الإيرانيين المقيمين، والمقدرة ثرواتهم بـ 400 مليار دولار، ومن بعض المؤسسات التي سايروها لهدفها الرئيس، من أجل تحقيق أهدافهم المخفيّة، كما كشفت الأسوشيتد برس ومجلة تابليت عن حصان طروادة، الذي استغله لوبي إيران للحصول على الأموال، ألا وهو صندوق Ploughshares Fund، وهو مؤسسة تهدف لإقرار السلام في الأرض، والحد من انتشار الأسلحة النووية.
أنفقت هذه المؤسسة أكثر من خمسة ملايين دولار في السنوات القليلة الماضية، لتمويل الحملة الدعائية لتمرير مشروع إيران النووي، والذي تم إقناع المؤسسة من بارسي، بأنّه مشروع سلمي بحت، وموّلت بموجبها 85 مؤسسة من وسائل إعلامية ومراكز أبحاث ودراسات، وأكثر من 200 باحث وأكاديمي وصحافي، لتسويق الاتفاق النووي وتأييده، واستطاع بالتالي لوبي إيران، هزيمة الكونغرس الرافض لتمرير الاتفاق، لتسحب اليد الناعمة من جديد الفيل!
ممّن سوقوا المشروع الإيراني، كانت شبكة PBS الشهيرة، والتي حصلت على 700 ألف دولار، ومعهد بروكنغز ذائع الصيت، بمبلغ 225 ألف دولار، وجمعية الحد من انتشار الأسلحة بمبلغ 282 ألفاً، ومجلس الأطلسي 185 ألفاً، حيث تعمل باربرا سلافين، أكثر الباحثين تردداً على طهران، وتأييداً للتحالف معها بدلاً من دول الخليج، واللوبي اليهودي J Street بمبلغ 576 ألفاً، حتى مركز النزاهة العامة، تقاضى مبالغ غير محدّدة، بينما استلمت جامعة برنستون الشهيرة 70 ألفاً لتسويق مؤلفات الدبلوماسي الإيراني حسين موسويان، وإقناع صنّاع القرار الأميركان بتبني طروحاته لقضايا الشرق الأوسط!
في الغرب، لكل أحدٍ ثَمَن، وما يحدث خلف الكواليس، هو ما يُحدِّد ما سيحدث فوق خشبة المسرح، وكلما طال أمد نوم الحارس، أخذ السارق راحته أكثر ليسرق ما شاء: فهل فهمنا؟.
نقلًا عن صحيفة البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة