برصاصة رشاش صنعت على شكل قلم وقّع الرئيس الكولومبي مانويل سانتوس، وزعيم حركة «فارك» تيموليون خيمينيس المعروف باسم تيموشينكو، اتفاق سلام تاريخي ينهي أطول حروب الأمريكيتين بعد أن استمرت نحو 52 عاماً، وأدت إلى مقتل نحو 260 ألف شخص وفقدان 45 ألفاً ونزوح نحو 7
برصاصة رشاش صنعت على شكل قلم وقّع الرئيس الكولومبي مانويل سانتوس، وزعيم حركة «فارك» تيموليون خيمينيس المعروف باسم تيموشينكو، اتفاق سلام تاريخي ينهي أطول حروب الأمريكيتين بعد أن استمرت نحو 52 عاماً، وأدت إلى مقتل نحو 260 ألف شخص وفقدان 45 ألفاً ونزوح نحو 7 ملايين آخرين.
رمزية الاحتفال الذي أقيم في بلدة كارتاهينا (قرطاجنة) التاريخية بدلاً من العاصمة بوغوتا لاعتبارات أمنية ولتسهيل مشاركة الضيوف، يتجاوز مضمون الاتفاقات المشابهة، لأنه يحمل في مضمونه ملخصاً لما كان عليه الحال إبان سنوات الصراع وما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً، فالرصاصة التي وقّع بها الاتفاق كتب عليها «الرصاص كتب ماضينا والتعليم هو مستقبلنا» ، في إشارة إلى استبدال العملية الديمقراطية وصناديق الاقتراع بالرصاص، بينما كان حشد المدعوين الذي بلغ نحو2500 شخص بينهم 250 من أهالي الضحايا يرتدون جميعاً الملابس البيضاء، يرددون «لا حرب بعد الآن.. لا مزيد من القتلى بعد الآن في حرب عبثية».
لكن ينبغي القول إن حركة «فارك» التي انبثقت عام 1964 من بين تمرد المزارعين، الذين كانوا يشكلون الفئة الشعبية الأوسع في البلاد، للمطالبة بإصلاحات زراعية، قبل أن تتحوّل إلى حركة مسلحة، فيما يمكن اعتباره العصر الذهبي للثورات، حين كان الاتحاد السوفييتي راعياً لها، وحيث كانت كوبا قد أنهت ثورتها للتو، وكانت أفكار الثائر الأممي تشي جيفارا لا تزال تهيمن على القارة الأمريكية اللاتينية، وكذلك الجزائر، فيما كانت في الشرق إرهاصات الثورة الفلسطينية تشق طريقها نحو إطلاق رصاصتها الأولى أوائل عام 1965.
غير أن ما ينبغي توضيحه أن كولومبيا لم تتعرض لاحتلال أجنبي أو استعمار استيطاني إجلائي كما هو حال فلسطين والجزائر، وإنما كانت حركة ذات بعد اجتماعي سياسي يهدف إلى تغيير نظام الحكم وإحلال نظام بديل يتبنى الأفكار الماركسية الرائجة آنذاك. وبالتالي ينبغي الاعتراف أن صراعاً امتد أكثر من نصف قرن وذهب ضحيته عشرات آلاف الضحايا بلا طائل ومن دون تحقيق أي نتيجة يمكن أن ينتهي إلى تسوية من هذا القبيل، وهي نتيجة منطقية لحقن الدماء وحفظ ماء وجه الطرفين.
في كل الأحوال، يتيح الاتفاق لحركة «فارك» أن تتحوّل إلى حزب سياسي وأن تخوض انتخابات عام 2018 مقابل حل نفسها وتخليها عن السلاح وتسليمه للأمم المتحدة في غضون 180 يوماً ، والعفو عن الأغلبية العظمى لمقاتليها الذين يقدّر عددهم بسبعة آلاف مقاتل وإدماجهم في النسيج الاجتماعي، وكذلك إجراء إصلاح زراعي كبير، باعتباره من أهم مطالب الحركة، التي تعتبر نفسها ممثلاً للطبقات الاجتماعية الفلاحية الفقيرة.
اللافت في الأمر أنه بينما سارع الاتحاد الأوروبي إلى شطب اسم «فارك» من لائحة الإرهاب، اكتفى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي كان مشاركاً في الحفل، بالقول إن «كولومبيا قامت بخطوة هائلة» ، لكنه اعتبر أن رفع اسم «فارك» من لائحة الإرهاب الأمريكية يعتمد على سير تطبيق الاتفاق.
انتهى «الكابوس» بالنسبة للكولومبيين، وستبدأ مرحلة إعادة البناء، ولكن من المبكر معرفة ما إذا كان هذا الاتفاق يصلح نموذجاً للبناء عليه أو استلهامه في أماكن أخرى من الصراعات التي لا تزال تجتاح العالم.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة