الرواتب واحتواء التضخم.. مهمة واشنطن الصعبة في 2023
تحاول الولايات المتحدة مؤخرا عمل توازن بين مشكلة ارتفاع الأجور والتضخم، بهدف السيطرة على التضخم الشديد بالبلاد.
وشهدت الرواتب ارتفاعا كبيرًا في الولايات المتحدة بسبب النقص في الأيدي العاملة خلال العامين الماضيين، إلا أن مؤشرات الاعتدال تتبلور اليوم، وهو شرط لا غنى عنه للجم التضخّم الشديد غير أن المخاطر ما زالت قائمة.
وقالت نيلا ريتشاردسون كبيرة الاقتصاديين في شركة "إيه دي بي" التي تتولى إدارة مدفوعات الرواتب، وتنشر دراسة عن العمالة في القطاع الخاص كلّ شهر: "نلاحظ تراجعا للضغوطات على الرواتب".
الأجور الأمريكية شهدت أبطأ نموّ في ديسمبر/كانون الأول منذ مارس/آذار، وفق دراسة نشرت نتائجها الخميس، حيث ارتفعت بنسبة 7,3% في خلال سنة للموظّفين الذين بقوا في شركاتهم، وبمعدّل 15,2 % لهؤلاء الذين انتقلوا إلى مؤسسات جديدة.
وأوضحت نيلا ريتشاردسون -خلال مؤتمر عبر الهاتف- أنه أمر إيجابي، إذ لا بدّ من أن تتقدّم الأجور بوتيرة سليمة كي يتراجع التضخّم. لكنها أشارت إلى أن النبأ ليس إيجابيا إلى هذا الحدّ بالنسبة إلى العمّال، إذ إن "الأجور لا تواكب تضخّما جدّا شديدا، بالرغم من مستوياتها المرتفعة".
وواصلت قائلة: غير أن المُنحنيين باتا يتقاربان، فقد تباطأ التضخّم في تشرين الثاني/نوفمبر إلى 7,1 % في خلال سنة، في مقابل 7,7 % في تشرين الأول/أكتوبر، وفق مؤشّر "سي بي آي" القائم على المعاشات التقاعدية الأمريكية.
لكن ارتفاع الأجور "ما زال يمثّل خطرا على التضخّم، لا سيما في مجال الخدمات إلى المستهلكين"، بحسب ريتشاردسون.
نقص الأيدي العاملة
تنشر وزارة العمل الجمعة الأرقام الرسمية للعمالة في ديسمبر/كانون الأول. ومن المقدّر أن تكون الأجور قد نمت بواقع 0,4% بالمقارنة مع نوفمبر/تشرين الثاني، في مقابل 0,6 % في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
وفي خلال سنة، كان التقدّم بمعدّل 5,1 %، أي أدنى من المستوى القياسي المسجّل في مارس/آذار 2022 عند 5,6 %.
غير أن "الشركات ما زالت ملزمة برفع الأجور لاستبقاء العمّال وسدّ الوظائف الشاغرة"، وفق ما كشفت جوليا بولاك كبيرة الاقتصاديين في موقع إعلانات الوظائف “ZipRecruiter".
وتوقّعت جوليا أن "يبقى ضغط الأجور تصاعديا في المستقبل القريب"، لا سيّما أن نقص اليد العاملة قد يتواصل. فهذا النقص "هيكلي" والسوق بحاجة إلى "4 ملايين شخص"، بحسب ما قال في ديسمبر/كانون الأول جيروم باول رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
ويرجع هذا الوضع في جزء منه إلى تقاعد الكثير من العمّال منذ بدء انتشار الجائحة التي أودت بحياة 1,5 مليون شخص، بالإضافة إلى هجرة غير كافية نتيجة سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وإغلاق الحدود الأمريكية لمدّة سنة ونصف السنة بسبب كوفيد-19.
من ثمّ، يصعب على أصحاب الأعمال في الولايات المتحدة منذ سنتين إيجاد ما يكفي من عمّال النظافة والسائقين والمدرّسين وغيرهم. وهم باتوا يعرضون تأمينا صحيا أفضل ودوامات عمل أكثر مرونة أو أقصر واحتمال العمل من المنزل ومزيدا من المال، في مسعى إلى استقطاب المرشّحين.
خطر البطالة
في أبريل/نيسان 2020، عندما كانت الولايات المتحدة خاضعة لتدابير الإغلاق، ارتفعت الرواتب بنسبة 8% مقارنة بالشهر عينه من العام السابق، وفق بيانات وزارة العمل.
وسجّلت أولى الزيادات في الأجور في أوساط العاملين في مجال الصحة والبيع بالتجزئة الذين كانوا على الخطوط الأمامية بالرغم من المخاطر المحدقة بهم.
وتوالى ذلك، ليشمل قطاع الفنادق والنقل واللوجستيات، حيث تعدّ الأجور منخفضة نسبيا، وحصل الموظّفون على زيادة في الأجور تخطّت 10 % لفترة من الفترات"، بحسب جوليا بولاك.
وقدّمت هذه الزيادات لمواجهة إغراءات العمل من المنزل المقرون بمنافع عدّة تجذب الكثيرين. وعلى سبيل المثال، بات من الممكن تنفيذ مهام مساعدة الزبائن التي كانت في السابق تقام في أماكن ضيّقة نسبيا في مراكز اتصال شديدة الضجّة عبر الإنترنت من المنزل.
غير أن تباطؤ ارتفاع الأجور بات اليوم عاملا مهمّا للاحتياطي الفيدرالي في مساعيه إلى احتواء التضخّم. فالبنك المركزي الأمريكي يبطئ عن قصد النشاط الاقتصادي مع رفع نسب الفائدة لهذا الغرض، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر زيادة البطالة.
aXA6IDMuMTM3LjE3My45OCA= جزيرة ام اند امز