الكائنات الدقيقة في خدمة البشرية.. تنتج بلاستيكا صديقا للبيئة

أحدث البلاستيك الصناعي ثورة في الصناعة والتجارة في مطلع القرن العشرين، وانتشر استخدامه على نطاق واسع بصورة شبه دائمة بحياتنا اليومية.

لكن هناك العديد من الاعتبارات الخطيرة المتعلقة باستخدام البلاستيك، وعلى رأسها أنه عدو للبيئة، إذ لا تتعرف الإنزيمات التي تفرزها الكائنات الدقيقة للتحلل على الروابط الكيميائية بين التي تربط بوليمرات البلاستيك معاً، فيصعب تحلله.

انظر حولك قليلا

ستجد البلاستيك في كل شيء تقريبا، والبلاستيك عبارة عن مادة بوليمرية تتكون تحت ضغط وحرارة محددة، ويتميز بعدة خصائص، تجعله مطلوباً تجارياً، من ضمن تلك الخصائص: الشفافية، المتانة، اللدونة، ضعيف التوصيل للكهرباء، الكثافة المنخفضة وخفة الوزن. كل هذه الخصائص أهلته للدخول في تصنيع أغلب المنتجات التجارية، مثل: النوافذ وزجاجات المشروبات وخراطيم الحدائق، لكن الكارثة الكبرى أنّ نفاياته البلاستيكية منتشرة في كل مكان تقريبًا، سواء في البر أو البحر أو الجو، ويصعب التخلص من تلك النفايات.

وأقرب مثال على ذلك حادث غرق شاحنة في مكان ما بين هونغ كونغ والولايات المتحدة الأمريكية في عام 1992، كانت تضم هذه الشاحنة 28 ألف بطة بلاستيكية (ألعاب للأطفال)، وما زال هذا البط البلاستيكي يتحرك في مياه المحيط، ويظهر من حين إلى آخر قرب الشاطئ، ولهذه الحادثة تبعات كثيرة؛ إذ تسببت في نشر التلوث البلاستيكي في المنطقة كلها، متحملة أشعة الشمس الحارقة والجليد، وهذه إشارة إلى قوة البلاستيك، وإمكانية بقائه لسنوات طويلة بدون تحلل، كل هذا خلق الحاجة إلى البلاستيك الحيوي، الذي يسهل تحلله، ويلبي احتياجاتنا من البلاستيك.

• لماذا علينا التخلص من التلوث البلاستيكي؟.. أرقام وتداعيات خطيرة

بلاستيك حيوي

نظرًا لكثرة الطلب على البلاستيك ذهب العلماء والباحثون يدرسون أفضل الطرائق لتصنيع بلاستيك صديق للبيئة، أو ما يُسمى بـ"البلاستيك الحيوي"، وهو مصنوع من مصادر طبيعية أو متجددة قد تكون قابلة أو غير قابلة للتحلل، ويركز العلماء على دراسة الأنواع القابلة للتحلل، ومن ضمن الأنواع البلاستيكية القابلة للتحلل بوليمر "بولي هيدروكسي ألكانوات" (PHA)، وهو عبارة عن بوليستر (نوع من البوليمرات) قابل للتحلل، يُنتَج داخل أجسام الكائنات الحية.

ربما الحل داخل البكتيريا أو الطحالب الدقيقة!

يتراكم البولي هيدروكسي ألكانوات -بصورة طبيعية- في شكل حبيبات داخل بعض أنواع البكتيريا، وفقاً لدراسة منشورة في دورية «إنترناشونال جورنال أوف إنفيرونمنتال ريسرش آند بابليك هيلث» (International Journal of Environmental Research and Public Health) في فبراير/شباط 2023. ومن ضمن هذه البكتيريا، نوع يُسمى (Alcaligenes latus).

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور "سامح سمير"، أستاذ مساعد في كلية العلوم جامعة طنطا، ومحاضر في جامعة جيانغسو تشنجيانغ في الصين، في حوار خاص مع "العين الإخبارية": "تُعد عائلة "البولي هيدروكسي ألكانويت" (PHA) المصنعة حيوياً بديلاً فعّالاً للبلاستيك التقليدي المصنع من البترول".

"وتشمل عائلة بولي هيدروكسي ألكانات، بوليمر يُسمى بـ"البولي هيدروكسي بيوتاريت" (PHB)، وهو أكثر البوليمرات المعروفة، ويُصنّع حيوياً داخل بعض أجناس البكتيريا، ويتميز بأنه قابل للتحلل، وغير قابل للذوبان في الماء، ومقاوم نسبياً للتحلل المائي، وهذا ما يميز البولي هيدروكسي بيوتاريت عن معظم المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الموجودة حاليًا، والتي تكون قابلة للذوبان في الماء أو حساسة للرطوبة". يشرح سمير.

ليست البكتيريا فقط، فهناك بعض الأنواع من الطحالب الدقيقة، مثل الاسبيرولينا (Spirulina sp)، يمكنها إنتاج البلاستيك الحيوي، وتتميز الطحالب الدقيقة بإمكانية نموها على مياه الصرف الصحي، وتُنتج كتلة حيوية، تُستخدم فيما بعد في إنتاج البلاستيك الحيوي، وهذا ما أشارت إليه دراسة منشورة في دورية «إنفيرونمنتل ساينس آند إيكوتكنولوجي» (Environmental Science and Ecotechnology)، في يناير/كانون الثاني 2023.

من جانبه، يوّضح الدكتور سامح سمير بأنّ باحتياجاتها الغذائية اللازمة للنمو قليلة، إضافة إلى تكلفتها المنخفضة نسبيًا. ويُضيف قائلا لـ"العين الإخبارية": "يمكننا استغلال تلك الكتلة الحيوية الناتجة من الطحالب الدقيقة في إنتاج مواد مختلفة مثل البلاستيك الحيوي"، ويتابع "وتتمثل طريقة تصنيعه حيوياً من الطحالب الدقيقة في تنمية تلك الطحالب في مزارع خاصة، ثم جمعها وتجفيفها ومعالجتها لتكوين بوليمر حيوي سائل، بعد ذلك تتم عملية صنع المنتجات المختلفة".

آمن على البيئة

يتميز البلاستيك الحيوي بقابليته للتحلل، كما أنّ انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عنه أقل من انبعاثات البلاستيك التقليدي، وهو بديل للمنتجات البترولية، ويقول الدكتور سامح سمي لـ"العين الإخبارية": "بل إنه يساعد في زيادة درجة خصوبة التربة وتسميدها، بجانب أنّ صنعه من مواد عضوية يجعله غير ضار على المياه الجوفية". ويُتابع "كما أنه مصنوع من مواد عضوية متجددة، ما يساعدنا على التغلب على مشاكل الطاقة ونقص المواد البترولية؛ فمعظم أنواع البلاستيك مصنوعة من هذه المواد، وكان لا بد من إيجاد بديل مناسب مثل البلاستيك الحيوي".

تساؤل مهم

هناك العديد من الصعوبات والتحديات؛ فبحسب الدكتور سامح سمير لـ"العين الإخبارية"؛ فعادةً ما تُزرع البكتيريا والطحالب الدقيقة في أطباق بتري تحت ظروف خاصة في المعمل، والتحدي الأكبر هو تطبيق هذه الظروف على المستوى الصناعي الكبير، حيث تُستخدم مفاعلات كبيرة، وقد تقل كثافة خلايا الكائنات الدقيقة المنتجة، إضافة إلى تعقيدات عمليات تنظيف المفاعلات المستخدمة في نمو تلك الكائنات الدقيقة على نطاق واسع.

من جانب آخر؛ فإنّ تكلفة تصنيع البلاستيك الحيوي من الكائنات الدقيقة مكلف نسبيًا، لكن هناك بصيص أمل يلوح في الأفق، إذ يقول الدكتور سامح سمير لـ"العين الإخبارية" "قد تقل هذه التكلفة المرتفعة مع زيادة اهتمام الشركات بإنتاجها".