في غرب أفريقيا، المنطقة التي تُعد وجهة عالمية مفضلة للتنقيب عن الموارد الطبيعية، تتدفق توقعات إيجابية بالاقتصاد الموريتاني عبر شريان الغاز.
في 3 يناير/كانون الثاني 2024، قال فيليكس فيشر، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في موريتانيا، إن الصندوق يتوقع تضاعف النمو الاقتصادي في موريتانيا ثلاث مرات تقريبا في العام 2025.
رئيس البعثة أشار في مقابلة مع وكالة بلومبرغ للأنباء أن تضاعف النمو الاقتصادي المتوقع نتيجة تصدير موريتانيا الغاز المقرر في النصف الثاني من العام 2025.
وأكد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي سيصل نسبة 5.1% في عام 2024، متوقعا أن يصل إلى 14.3% في عام 2025 استنادا إلى إيرادات التعدين والغاز.
كنز للعالم.. ثروة غازية تتدفق في موريتانيا
بفضل الاكتشافات النفطية الهائلة في أعماق شواطئها، وموقعها الاستراتيجي الرابط بين المغرب العربي وغرب أفريقيا، واستقرارها السياسي الحالي، ودورها في مكافحة "الإرهاب" بدول الساحل، تصاعدت مؤخراً الأهمية الاستراتيجية لموريتانيا.
وبذلك، تنافست القوى الدولية لاستقطابها ضمن مشاريعها الاقتصادية والأمنية، فاستثمرت الشركات الأوروبية والأمريكية بقوة في غازها المتدفق.
- صحراء أفريقيا الحبيسة تطل على «الأطلسي» بفضل المغرب.. اقتناص الفرصة الملكية
- أبوظبي تؤسس أول منشأة لمعالجة «مضافات الوقود» في الشرق الأوسط وأفريقيا
احتياطيات غاز بـ110 تريليونات قدم مكعبة.. والتصدير بحلول منتصف 2024
وتمتلك موريتانيا احتياطات ضخمة من الغاز المسال تقدر بـ110 تريليونات قدم مكعبة، ما يضعها في المرتبة الثالثة أفريقياً بعد نيجيريا (207 تريليونات قدم مكعبة)، والجزائر (159 تريليون قدم مكعبة).
كما تتفوق موريتانيا على مصر التي تملك مخزونا يُقدر بـ63 تريليون قدم مكعبة، وليبيا بنحو 55 تريليون قدم مكعبة.
وينفرد حقل "بيرالله" الموريتاني بالنصيب الأكبر من هذا الغاز، إذ يقارب احتياطياته 80 تريليون قدم مكعبة. فيما تقدر احتياطيات "حقل السلحفاة أحميم الكبير" المشترك مع السنغال بنحو 25 تريليون قدم مكعبة.
تلك الاحتياطيات الضخمة ستمكن نواكشوط من تصدير أول شحنة من غازها الطبيعي منتصف عام 2024 الجاري؛ وفق ما أعلن وزير البترول والطاقة الموريتاني، الناني ولد اشروقه في ديسمبر/كانون الأول 2023.
وقال وزير البترول والطاقة الموريتاني خلال مشاركته في ندوة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "COP28" الذي احتضنته مدينة دبي الإماراتية خلال الفترة 30 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن "موريتانيا ستنتج في وسط العام المقبل أول شحنة غاز للتصدير وذلك من حقل أحميم الكبير المشترك مع السنغال".
وأضاف أن الغاز المنتظر إنتاجه من حقلي "أحميم الكبير" و"بير الله" يشكل "فرصة كبيرة لموريتانيا وستكون له انعكاسات على اقتصاد البلد".
ويتطلع الموريتانيون إلى أن تسهم عائدات ثروة البلاد من الغاز في تحسين ظروفهم المعيشية وتوفير فرص للشباب العاطلين عن العمل، إذ تبلغ نسبة البطالة 30% في هذا البلد العربي.
وأشارت توقعات اقتصادية سابقة إلى أن مشروع "السلحفاة أحميم" الكبير وحده سيدر مداخيل مهمة على خزينة موريتانيا تقدر بـ100 مليون دولار سنويا في المرحلة الأولى من الإنتاج ليصل في المرحلة الثانية والثالثة إلى مليار دولار سنويا.
موريتانيا على أبواب نادي الغاز الدولي
وينتظر الموريتانيون حلول منتصف 2024، الموعد المحدد لتصدير أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال من حقول "السلحفاة العملاقة" أو "Greater Tortue" التي تطورها شركة "بريتش بيتروليوم" قبالة السواحل الموريتانية على الحدود البحرية المشتركة مع السنغال.
ويقع الحقل الرئيس الضخم على بعد 120 كيلومتراً من الشاطئ ويصل عمقه إلى 2850 متراً، ما يجعله واحداً من أكثر حقول الغاز عمقاً تحت سطح المحيط الأطلسي قبالة السواحل الأفريقية، بحسب شركة BP.
وكانت الشركة المطورة للمشروع أكدت في أبريل/نيسان الماضي أن أكثر من 90% من أعمال التطوير اكتملت في الربع الأول من العام 2023، وأن تصدير أول الشحنات ستكون مع حلول منتصف عام 2024.
وخلال المرحلة الأولى، سيتم ضخ الغاز إلى وحدة تخزين وتفريغ الإنتاج العائمة الواقعة على بعد حوالي 40 كيلومتراً قبالة الشاطئ، حيث ستتم معالجة الغاز وفصل السوائل قبل تصديرها إلى منشآت الغاز الطبيعي المسال في ميناء التصدير. ومن المتوقع أن ينتج المشروع حوالي 2.3 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً خلال المرحلة الأولية.
وإلى جانب حقل "السلحفاة" العملاق المشترك مع السنغال، يعلق الموريتانيون آمالاً كبيرة على الحقل الأضخم الخاص بموريتانيا، المعروف بحقل "بير الله" والذي يجري تطويره من قبل تحالف شركات أبرزها " Kosmos Energy" و"بريتش بروليوم" "BP"، ويتعتبر أكبر الحقول المكتشفة في غرب أفريقيا حتى الآن، وفق ما أعلنته المجموعتان.
وتوقعت منصة "Energy Capital & Power" المختصة في الطاقة، بأن دخول "بير الله" مرحلة الإنتاج سيمثل ثورة في قطاع الغاز بالقارة الأفريقية.
وبحسب ما ذكرته "كوسموس إنرجي"، فإن الحقل يتمتع بخصائص عديدة جعلت منه فرصة استثمارية استثنائية، جذبت عمالقة صناعة الطاقة في العالم إلى الانخراط الفعلي في المشروع ورصد استثمارات بمليارات الدولارات، حيث يتميز الخزان المكتشف بخصائص عالية الجودة، وغاز من الدرجة الأولى، وعلاوة على ذلك، فإن الحقل يتمتع بإمكانية تحقيق معدلات إنتاج كبيرة ومستمرة، حيث تشير التقديرات إلى أن عمر الإنتاج الافتراضي للحقل سيستمر لأكثر من 50 عاماً على الأقل.
ومن المتوقع أن يتم تصدير إنتاجه عبر منطقة ميناء "أنجاغو" على ساحل المحيط الأطلسي، وهي منطقة تتميز بالبنية التحتية اللازمة، بما في ذلك ميناء في المياه العميقة، والوصول إلى الكهرباء والمياه، والقرب من خطوط الشحن الرئيسية، لدعم بناء محطة الغاز.
ركيزة للانتقال الأخضر.. والتنمية المستدامة
وتستهدف الحكومة الموريتانية أن يلعب الغاز دوراً في رفع قدرة الطاقة الكهربائية داخل البلاد، والمساهمة في مشاريع التعدين والصناعة، ولهذا الغرض بدأت بتنفيذ خط أنابيب لضخ الغاز وتغذية محطات حرارية يجري الإعداد لها في كبرى مدن البلاد، وخاصة العاصمة الاقتصادية "نواذيبو" التي تعبر الميناء الرئيسي لتصدير الحديد الخام، والذي بدأت الحكومة تخطط لصهره وتصنيعه محلياً، بفضل توفر مصادر للطاقة الرخيصة مع بدء إنتاج الغاز، بدل تصديره خاماً بأسعار زهيدة دون قيمة مضافة، كما كان يتم في السابق.
وفي هذا الإطار حصلت شركة "EPCM Holdings" الجنوب أفريقية، على عقد مع الشركة الوطنية الموريتانية للصناعة والتعدين "SNIM" لمد خط أنابيب للغاز الطبيعي بطول 750 كيلومتراً وبتمويل من البنك الدولي.
وسيمتد خط الأنابيب من حقلي "السلحفاة الكبير" و"بير الله" البحريين إلى مدينة نواذيبو، عبر العاصمة نواكشوط، ليكون بمثابة حلقة وصل حيوية في تسييل موارد الغاز ودفع التحول الصناعي داخل البلاد.
ثروات وموارد حولت موريتانيا التي لا تزال تصنف ضمن أكثر الدول فقراً في العالم (خامس أفقر دولة)؛ حيث بلغ إجمالي ناتجها المحلي نحو 9.78 مليار دولار وتعداد سكاني وصل إلى 4.74 مليون نسمة، يعيش أكثر من 70% منهم بأقل من دولارين في اليوم حسب إحصاءات البنك الدولي لعام 2022، إلى كنز ثمين وساحة فريدة للتكالب العالمي، فالاهتمام المتزايد بالبلد الواقع في غرب القارة السمراء جاء بسبب احتياطاتها من الغاز الطبيعي وإمكانات الطاقة الخضراء التي توفرها تضاريس البلاد الشاسعة، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي.
ولا شك أن الإيرادات الكبيرة التي ستنتج عن صادرات الغاز لديها القدرة على تعزيز الاقتصاد الموريتاني بشكل كبير، ما يوفر مصدراً جديداً لإيرادات البلاد، وخلق فرص عمل جديدة ودعم نمو الشركات المحلية، وهو ما نعلق عليه آمالاً بتحسن أحوال المعيشة في موريتانيا.