صراع الإخوان.. لماذا تغيرت لهجة جبهة محمود حسين؟
تواصل جبهتا الإخوان النزاع على قيادة الجماعة، والصراع على النفوذ والأموال، مستخدمتين كل الوسائل المتاحة لتحطيم بعضهما.
أدوات الجبهتين هي قرارات فصل طالت قيادات في الطرفين، واتهامات بالعمالة وخيانة الأمانة واختلاس أموال التنظيم، والآن امتدت الحرب بين الطرفين للتراشق الإعلامي الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي.
من الواضح أن مأزق الانشقاقات الذي تمر به جماعة الإخوان الإرهابية أكبر من قدرات مفكريها أو سدنة تنظيمها، فرغم مرور سنة أو أكثر على بداية الأزمة بين رأسي الجماعة بشكل معلن، لم يستطع أيٍ منهما أن يحسم قيادته للإخوان، مما أفقد التنظيم كثيراً من مقومات استمراره بعد شطره إلى نصفين، وتفككه تنظيمياً.
اختار "محمود حسين" الأمين السابق للجماعة (جبهة إسطنبول) التحرك عبر الفضاء الإلكتروني مدافعاً عن مجموعته ومتهماً المجموعة الأخرى، بينما اختار إبراهيم منير نائب المرشد والقائم بالأعمال (جبهة لندن) التحرك بين الإخوان والانتهاء من استكمال تشكيل "مجلس الشورى العام" كما قام مناصروه بتنفيذ العديد من الاجتماعات السرية والتربوية، التي قدموا فيها رؤيتهم لحل الأزمة.
ربما شعر "حسين" بخطورة تركه الساحة التربوية لخصومه، فقرر إصدار بيان يوم الخميس الماضي، حاول أن يظهر بمظهر المتمسك بالقيم الدينية قبل التنظيمية، فقد كان البيان المختلف في صيغته ومكوناته اللغوية، أشبه بخطاب عاطفي أو مقال تربوي، تمسح فيه "حسين" بالقيم والمبادئ وبالأخوة، فلم يستخدم المفردات الحادة الصدامية مثل: الفصل أوالإيقاف، ولم يستخدم المصطلحات التنظيمية مثل:المؤسسات الشورية، الانتخابات، مجلس الشورى العام، أو المصطلحات ذات الاتصال التنظيمي مثل: "احترام الشورى"، أو "أعفوا أنفسهم من الجماعة"، أو "فرض واقع جديد"، أو "إنشاء كيانات موازية للكيانات الشرعية بالجماعة"، كما لم يذكر أسماء بعينها، ولم ينفِ تهمةً أو مخالفةً ولم يهاجم فريقاً بعينه، وإن كان يفهم أنه يقصد خصومه من عناصر جبهة (لندن).
بدأ البيان بالآية القرآنية {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا ...} (آل عمران - 103)) في رسالة واضحة للصف الإخواني أنه يجنح للسلم ويتمسك بروح الإخوة الإسلامية في هذا الخلاف، ثم استخدم 1255 كلمة ليصغ البيان، الذي يعد طويلاً نسبيا بالمقارنة بياناته السابقة، اللافت أنه استشهد بـ 14 آية قرآنية، و4 أحاديث نبوية، وبفقرتين لحسن البنا واحدة من مقال في مجلة الإخوان المسلمون عام 1942 والثانية من رسالة بين الأمس واليوم التي كتبت عام 1943، كما استخدم كلمة الإسلام 7 مرات، وكلمة المحنة والمِحَن 6 مرات، وكلمة جماعة 6 مرات، وكلمة الظن 6 مرات، وكلمة الخلاف والخلافات 4 مرات، وكلمة الفتنة 3 مرات، وكلمة الشائعات 3 مرات وكلمة مخالفة مرتين، وكلمة المبادئ مرتين، وكلمة الدعاة مرتين، وكلمة الأخوة مرة واحدة، وكلمة الدعوة مرة واحدة، وبالمقابل خلا البيان من الإشارة إلى الجهة التي أصدرته، فلم يوضح هل صدر من مجلس شورى الإخوان العام، أم صدر من لجنة إدارة منصب القائم بالأعمال التي يرأسها مصطفى طلبة، كما خلا البيان من تحديد مكان إصداره هل من القاهرة؟ أم من لندن؟ أم من إسطنبول؟، أم من الدوحة؟
لم يكن مؤيدو حسين ينتظرون بياناً دعوياً، أقرب إلى الرسالة التربوية الأسبوعية، بل كانوا ينتظرون إجراءات واضحة نحو 13 قيادة إخوانية المفصولين، أو إعلان البيعة له، أو إذاعة رسالة صوتية من المرشد تؤيده، أو على الأقل أن يقوم باستكمال بناء مؤسسات الجماعة بالخارج والداخل، هذا إذا كانت الجبهة ممسكة بتلابيب التنظيم فعلاً.
لكن البيان جاء خالياً من أي إجراء، ولا يحمل جديداً، ولا يضع تصوراً لحل أزمة الإخوان الحالية، سواء داخلية بالانشقاقات المتعددة التي هشمت أركان التنظيم، أو سياسية في حل إشكالية علاقة الجماعة بالحكومات المتعاقبة، أو يحسم هويتها كجماعة دعوية أم جماعة سياسية، كما خلا البيان من رسم ملامح لخطاب الإخوان في الفترة القادمة، وتوجيه من يلزم بتبني قضايا دينية ذات طابع سياسي، اكتظ البيان برصد سلبيات سلوكية عامة، طالب الجميع بعدم الوقوع فيها مثل: نشر للأخبار والمعلومات المكذوبة، ونقل للخبر بلا علم أو يقين أو تثبت، وخطورة الشائعات وما تنطوي عليه من أضرار، وطالبهم بالعودة إلى المصادر الصحيحة للخبر للتأكد من صحة ما ورد فيه، وطالبهم بحسن الظن، مع غمز مفهوم أنه يقصد جبهة "منير".
يأتي البيان في وقت يتحرك فيه مؤيدو جبهة لندن بقيادة إبراهيم منير نائب المرشد العام والقائم بالأعمال، في شتى الاتجاهات، فداخلياً عقدوا مجموعة من الاجتماعات لاستكمال لجان ومجالس التنظيم، مثل: "مجلس الشورى العام" الذي ضم إليه دماء جديدة من الإخوان منهم خالد حمدي وطاهر عبد المحسن وعلاء الإبياري وعلي عبدالحميد، كما عقدوا العديد من جلسات "وضوح الرؤية" التي كان من نتائجها استمالة الكثير من مؤيدي جبهة إسطنبول سواء بتركيا أو بالداخل المصري، وقاموا بتفنيد كل الاتهامات التي رماهم بها محمود حسين، وقدموا رؤية لمستقبل الجماعة وحلولا لمشكلة المحبوسين وتصوراً للتواصل مع الدولة المصرية، بينما استسلمت جبهة "محمود حسين" واكتفت ببيانات، سواء للمتحدث الرسمي طلعت فهمي أو المتحدثين الإعلاميين، وتعدد صفحاتهم على السوشيال ميديا، وعجزه عن تقديم تصور للخروج من أزمة الجماعة مع الدولة المصرية، وافتقاره للحلول المنطقية لكل أزمات الجماعة، والاكتفاء بطريقة الإقصاء والاتهام، التي كان يجيدها وقت قوة الجماعة وتصدرها للمشهد السياسي والاجتماعي والديني في مصر قبل عشر سنوات، مما يعني أننا اقتربنا من حسم القيادة لمنير.
هذا لا يعني أن كتلة منير متماسكة بل هي هشة غير متجانسة، هي فقط الأقرب للقيادة، فقد انضم إليه مجموعات إخوانية ليس حباً فيه، ولا اقتناعاً بما يقدمه، ولكن نكايةً وعقاباً لمحمود حسين، الذي تكرر صدامه مع عناصر من الإخوان في تركيا وفي مصر وغيرها من البلاد التي هربوا إليها، ومنع الإنفاق على أسر الإخوان الذين يعترضون على قراراته، مما ساهم بشكل كبير في هبوط شعبية الأمين السابق للتنظيم، ومن ثم اتسعت رقعة المعارضين الذين تحلقوا حول "منير" للتخلص من "حسين".
جاء الخلاف في وقت حرج للغاية يمر بجماعة الإخوان، فالجماعة التي يتنافس عليها الفريقان تعاني منذ عشر سنوات عدة أزمات على المستوى الإقليمي والمحلي، بدأت برفض شعبي واسع تمثل في ثورة 30 يونيو 2013، التي أنهت حكمها لمصر، ثم توالت عليها الهزائم في ليبيا والمغرب وتونس واليمن، وتم تصنيفها في العديد من الدول العربية كمنظمة إرهابية، وبدأ ينحسر دورها في أوروبا بعدما تنبه العقلاء إلى خطورة رعاية أوروبا لمثل تلك التنظيمات المتشددة.