أسطورة «نام وشد اللحاف».. التنويم المغناطيسي أداة علاجية شوهتها السينما
عادة ما يرتبط "التنويم المغناطيسي" في الأذهان، بأنه أداة للسيطرة على الناس والتلاعب بإرادتهم، وهو مفهوم خاطئ رسخته السينما بسبب إعادة إنتاجها لتصورات شائعة لا تعكس المفهوم الحقيقي لهذه الأداة الطبية.
وتقفز إلى الأذهان مباشرة عند ذكره مشاهد من الأفلام العربية القديمة، منها المشهد الأشهر في فيلم "فى الهوا سوا" لإسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسى وزوزو نبيل، عندما كانت الأخيرة تنظر نظرات ثاقبة في عين الشخص مرددة عبارة "نام شد اللحاف"، فينام الشخص المستهدف، وتستطيع التحكم فيه.
ويمثل هذا المشهد خلطا شائعا بين التنويم المغناطيسي والنوم، فعلى الرغم من أن الأول، اسمه مشتق من الكلمة اليونانية "hypnos"، والتي تعني النوم، إلا أنه ليس كذلك.
وتقول الدكتورة إميلي فوستر، عالمة النفس السريري: "على عكس النوم، حيث ينفصل العقل عن البيئة الواعية، فإن التنويم المغناطيسي ينطوي على حالة من الوعي والتركيز المتزايد، حيث يظل الأفراد تحت التنويم المغناطيسي واعين تماما ويمكنهم التفاعل مع محيطهم ومع المنوم المغناطيسي".
وتضيف أن "التنويم المغناطيسي هو حالة من المشاركة العقلية النشطة، حيث يعتقد الناس في كثير من الأحيان أنها حالة تشبه النوم بسبب الاسترخاء العميق الذي تنطوي عليه، ولكن نشاط الدماغ يختلف عن النوم واليقظة".
ويؤيد الدكتور آلان تورنر، أخصائي العلاج بالتنويم المغناطيسي ما ذهبت إليه فوستر، مشيرا إلى أن التنويم المغناطيسي لا يمكن أن ينجح في حال عدم موافقة الشخص.
وقال: "على عكس الأسطورة القائلة إن المنومين المغناطيسيين يمكنهم السيطرة على الناس أو التلاعب بهم ضد إرادتهم، فإن التنويم المغناطيسي لا يمكن أن يجبر أي شخص على التصرف ضد قيمه أو رغباته الأساسية، حيث تعتمد العملية بشكل كبير على رغبة الشخص وتعاونه، حيث يجب أن يكون الشخص منفتحا على الاقتراحات التي يقدمها المنوم المغناطيسي، حتى تحقق تلك الآداة أهدافها".
وربما تكون هذه التصورات الخاطئة عن "التنويم المغناطيسي" مصدرها شيوع أفكار الطبيب الألماني فرانز أنطون ميسمر، والذي لم تحظ نظريته بأي تأييد علمي، لكنها مهدت الطريق للعلاج بالتنويم المغناطيسي الحديث من خلال إظهار قوة الإيحاء وتركيز الاهتمام.
وكانت ميسمر يعتقد أن هناك سائلًا غير مرئي ينتشر في الكون، أسماه بـ "المغناطيسية الحيوانية"، وقال إنه يمكن التلاعب بهذا السائل عن طريق المغناطيس أو عن طريق اليد البشرية للتأثير على صحة الإنسان.
لذلك كان مسمير يؤدي طقوسا علاجية، غالبا ما يشار إليها باسم "التمريرات المغناطيسية"، حيث يقوم بتحريك يديه أو المغناطيس على جسم المريض، بهدف التلاعب بالمغناطيسية الحيوانية واستعادة الانسجام الطبيعي للجسم.
وعلى الرغم من الطبيعة الدرامية والمسرحية في كثير من الأحيان لعلاجات مسمير ، فقد اكتسبت أساليبه شعبية كبيرة في أوروبا، وخاصة في فرنسا.
ومع ذلك، قوبلت أفكاره بالتشكيك من قبل المجتمع العلمي، وفي عام 1784، قامت لجنة ملكية فرنسية، ضمت بنجامين فرانكلين وأنطوان لافوازييه، بالتحقيق في ادعاءاته وخلصت إلى عدم وجود دليل على وجود المغناطيسية الحيوانية، وأرجعوا التأثيرات التي لوحظت أثناء علاجات مسمير إلى الخيال والإيحاء.
وفي حين تم فضح المغناطيسية الحيوانية كنظرية علمية، فإن عمل مسمير وضع الأساس لتطوير التنويم المغناطيسي الحديث، حيث أدى تركيزه على دور الإيحاء والتركيز وقوة العقل على الجسم في فهم الظواهر المنومة، وقام الممارسون اللاحقون، مثل جيمس برايد، الذي صاغ مصطلح "التنويم المغناطيسي" في أربعينيات القرن التاسع عشر، بتحسين هذه المفاهيم وإبعادها عن العناصر الغامضة للنظرية المسمرية.
ويرتبط التنويم المغناطيسي الحديث عادة بالشفاء العقلي والعاطفي، ولكن له أيضا تطبيقات مهمة في الصحة البدنية، حيث تظهر تقنيات مثل التخدير بالتنويم المغناطيسي أنه يمكن أن يقلل الألم، وحتى يلغي الحاجة إلى التخدير التقليدي في بعض الإجراءات الطبية.
وتوضح الدكتورة إميلي فوستر، عالمة النفس السريري: "يمكن للتنويم المغناطيسي أن يغير إدراك الدماغ للألم وينشط الآليات الطبيعية لتخفيف الألم، إنه مثال قوي على الارتباط بين العقل والجسم".
وفي حين أن التنويم المغناطيسي يمكن أن يعزز عملية التذكر، فإنه يمكن أن يؤدي أيضا إلى خلق ذكريات كاذبة، وتنشأ هذه المفارقة لأن حالة التنويم المغناطيسي التي يمكن الإيحاء بها ، يمكن أن تجعل الأفراد يدمجون أحداثًا أو اقتراحات متخيلة في ذاكرتهم، وأحيانا بتفاصيل حية.
وتشدد الدكتورة سوزان لي، المعالجة السلوكية المعرفية، على أنه "يجب على المعالجين بالتنويم المغناطيسي توخي الحذر لتجنب زرع ذكريات كاذبة عن غير قصد".