"هكذا تكلم أمبرتو إيكو".. أفكار وآراء الفيلسوف الإيطالي في كتاب
إيكو يحذر من وقوع الصحافة في شرك التلفزيون، مؤكدا أنها أصبحت ضحية للخديعة وتعاني اليوم من نقص مطلق في الكرامة
رغم وفاته قبل 3 أعوام إلا أن أفكار وآراء الفيلسوف والروائي الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو لا تزال تشكل مادة جاذبة للناشرين، إذ جمعت دار "ورد" السورية حواراته المميزة في كتاب بعنوان "هكذا تكلم أمبرتو إيكو"، أشرف على تحريره وترجمته الشاعر اللبناني إسكندر حبش.
وينقسم الكتاب بطبيعة موضوعاته إلى مجموعتين رئيسيتين من الحوارات، الأولى "حوارات حول قضايا عامة تشغل العالم" والثانية "حوارات فنية تتعلق بشكل رئيسي بأعماله الروائية والفكرية الشهيرة"، ومنها "مقبرة براغ وبندول فوكو".
وفي سياق تناول القضايا العامة، يحذر إيكو من وقوع الصحافة في شرك التلفزيون، مؤكداً أنها أصبحت ضحية للخديعة وتعاني اليوم من نقص مطلق في الكرامة.
ويلفت صاحب رواية "اسم الوردة" النظر إلى أن التلفزيون لم يعد يمارس سطوته على الجماهير، وإنما على النخبة التي تسترخي أمامه تماماً، مؤكداً أن الصورة تملك قوة لا تقاوم لكنها تكذب لأنها تعطي المجال للعديد من التأويلات.
ولعل البعض لا يزال يتذكر سخرية أطلقها إيكو قبل رحيله من مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه في حوار يعود لعام 1993 مع مجلة "لونوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية يبرز مخاوفه من الإنترنت، الذي يبدو مخيباً وواعداً في الوقت نفسه، "فهو وسيط واسع وغشاش وفضيحة ذاكرة من دون غربلة، حيث لم نعد نميز بين الخطأ والحقيقة، لذلك قادنا إلى تراجع ثقافي".
ويدافع إيكو عن اتساع مساحة القراء في العالم رغم انتشار الوسائط التكنولوجية، ويقول "القراء صاروا أكثر والمكتبات الجديدة لم تعد كما في الماضي أبنية مقفلة"، لكنه يرى أن الكتاب الورقي أكثر استقلالاً من الكتاب الإلكتروني على الأقل من ناحية الكهرباء، ومن ثم فالورقي قادر على الصمود و"ما من شيء سيلغي حبنا له".
وبالقياس على هذا يقول "لقد غيّرت الصورة الفوتوغرافية وحي الرسامين لكنها لم تقتل الرسم".
ويشن صاحب "مقبرة براغ" حرباً على المثقفين المناصرين لليمين المتطرف، داعياً لعدم التعامل معهم برفع شعار "لكل واحد الحق في أن يقول لا للذي لا يحبه".
ويشير إلى أنَّه من أبرز مهام المثقف اليوم رسم الحدود بين ما هو متسامح وما هو غير متسامح، ويوضح أن الشعبوية العنصرية باتت تهدد أوروبا.
ومن العبارات التي تلفت نظر القارئ العربي في الكتاب دفاع إيكو عن القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي خلال معاركه ضد الحملات الصليبية، مؤكداً أنَّ الأيوبي لم يكن متعصباً، وبينما ذبح الصليبيون الجميع حين دخلوا القدس عفا الأيوبي عن غالبية المسيحيين مع دخوله للمدينة ذاتها.
ورغم الانتشار الذي تحظى به رواياته لكن إيكو يرفض النظر لرواياته كأعمال شعبية، لأنَّها حسب تعبيره "لا تنتمي لهذا النوع ولا تقوم على استعارات من نصوص أخرى لأنَّها تتغذى كثيراً من عواطفي الشخصية"، ومع ذلك لا ينفي إعجابه بالروايات الشعبية وروايات المغامرات والروايات البوليسية التي ارتبط بها منذ صغره.
ويوضح أن روايتها الأشهر "اسم الوردة" تصنف في إطار الروايات التي نادت بثقافة القارئ، في حين يرى روايته "باودولينو" رواية شعبية تنطق بلغة الحياة اليومية، ويصف نفسه في أحد هذه الحوارات بـ"الفيلسوف الذي يكتب الروايات".
ويقول إن لكل كتاب قارئين، قارئ مباشر يشرح الوقائع وقارئ جمالي يعود إلى النص ويستنتج منه الدروس والمتع البعيدة عن النص الأصلي.
ويدعو إيكو لتعلم اللغات، معتبراً أن جهل اللغات ينتج دائماً عدم التسامح، غير أن معرفتها لا تضمن أبداً أن يكون الشخص متسامحاً.
ومن ناحية أخرى، يتحدث إيكو عن اللغة باعتبارها "قوة بيولوجية لا يمكن تغييرها بقرار سياسي، لكننا نتأثر باستعمالها، وهذه مهمة وسائل الإعلام والكتّاب المبدعين، فالكاتب الحقيقي هو من يهتم بالإنسانية حين تنتكس لا حين تتقدم، والمثقف هو من ينتقد العادات لا الذي يحتفي بها".
أمبرتو إيكو (1931-2016) فيلسوف إيطالي، وروائي وباحث في القرون الوسطى، اشتهر عالمياً بعد نشر روايته "اسم الوردة"، التي تحولت لفيلم سينمائي وترجمت لعدة لغات، وكان على رأس المرشحين لجائزة نوبل حتى وفاته، وترجمت أغلب أعماله للعربية ومنها "مقبرة براغ، بادولينو، بندول فوكو، لا نهائية القوائم والعدد صفر".