إدلب السورية.. "الملاذ الآمن" ليس كذلك
عائلة قاداقبجي هربت من أهوال حلب إلى إدلب، لكنهم الآن تحت رحمة حملة التفجيرات التي تشنها الحكومة السورية بلا هوادة.
ارتجف صوت محمد قاداقبجي، الأب لطفلين عندما تذكر اللحظة التي اعتقد فيها أنه فقد أحدهما. قاداقبجي (42 عاما)، فقد زوجته خلال القتال الذي استمر 6 أعوام في حلب، ومنذ ذلك الحين، يربي ولديه بمفرده.
عندما بدأ هجوم القنابل في وقت سابق من هذا الشهر، كان ولداه يدرسان للامتحانات، ويقول قاداقبجي إن طفليه كانا يصرخان "أبي، أبي"، كان ابنه أحمد موجودا بجواره، أما ابنه الثاني ياسر فلم يتمكن من العثور عليه لمدة نصف ساعة، فقط كان يسمع صراخه.
ويضيف: "الحمدلله، كانت مجرد جروح طفيفة".
منذ عام، هربت عائلة قاداقبجي من أهوال حلب إلى إدلب، لكنهم الآن تحت رحمة التفجيرات التي تشنها الحكومة السورية بلا هوادة، هذه المرة لا مكان يهربون إليه، إنهم محاصرون في إحدى آخر مناطق وقف التصعيد، والتي يقال إنها الملاذ الآمن في سوريا، والتي تحولت إلى أي شيء آخر عدا كونها تلك الصفة.
بعد أهوال الغارات الجوية، حالف بعض الأسر الحظ لإنقاذ نفسها وانتشال ما يمكنها من بين الحطام، حيث إن حوالي 60 شخصا لقوا مصرعهم خلال تلك الغارة التي وقعت وسط إدلب السورية.
الشعور باليأس هو أمر شائع في إدلب، فمئات الآلاف من السوريين يحاولون الهرب من الهجوم الحكومي الكثيف، لكن مع سيطرة النظام على مناطق حول إدلب، فتعتبر في حالة حصار.
وقال الإعلامي السوري لؤي أبو الجود، لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، إن "ما يحدث في إدلب هو بالضبط ما حدث في حلب"، في إشارة إلى الحصار الذي شهدته حلب الشرقية العام الماضي.
وأضاف أبو الجود، أنها "نفس الاستراتيجية الروسية، يضعون منطقة تحت الحصار ثم يهاجمونها، ثم ينتقلون إلى منطقة أخرى".
وأوضحت منظمات حقوق الإنسان، أن النازحين يتنقلون من مدينة إلى مدينة، هربا من التفجيرات لكنهم غير قادرين على العثور على أية استراحة دائمة مع توسيع قوات الحكومة نطاق هجماتهم ضد المسلحين.
طبقا لأرقام الأمم المتحدة، فإن إدلب هي موطن لأكثر من 1.1 مليون نسمة من إجمالي 6.1 مليون من النازحين داخليا، كثير ممن هربوا من المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة في وقت سابق.
كثير ممن توجهوا إلى المحافظة الواقعة شمال غرب سوريا قادمين من حلب الشرقية، التي استعادتها القوات الحكومية منذ عام بعد هجمات أرضية وجوية التي أشعلت احتجاجا دوليا.
مناطق عدم التصعيد
كما استهدفت عمليات الهجوم الجوية الأرضية المتجددة التي شنتها القوات السورية المدعومة من روسيا، الغوطة الشرقية المحاصرة، وطبقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، لقي 193 سوريّا مصرعهم هناك خلال الأسبوعين الماضيين.
وطبقا للأمم المتحدة، 390 ألف مدني على الأقل كانوا يعيشون تحت الحصار في الغوطة الشرقية خلال السنوات الأربع الماضية.
وتأتي الهجمات قبل أسابيع قليلة من بدء محادثات السلام التي ترعاها روسيا، والمقرر أن تجرى في سوتشي.
وقالت المعارضة السورية، إنهم ينوون مقاطعة المحادثات، لكن هجوم الأسد الأخير ربما يجبر جماعات المعارضة على المشاركة.
إدلب.. "قنبلة موقوتة"
قال هيد هيد، الباحث السوري بالمركز الدولي لدراسات التطرف بكلية كينجز في لندن، إن "ما ننظر إليه الآن هو في الأساس قنبلة موقوتة، التي قد تنفجر في أي لحظة إذا واصل النظام التقدم في إدلب"، مشيرا إلى أنه "لا طريق لمغادرة المنطقة، لا سبيل حيث يمكن للكثيرين التحرك من المناطق التي يسيطر عليها النظام. لذا ما ننظر إليه هنا هو عدد كبير من الناس الذين ينتظرون موتهم حال عدم اتخاذ خطوة".
حاملة ابن عمها الرضيع على طول طريق غابر تصطف بجوانبه خيام في أحد مخيمات النازحين، تحدثت بشرى حاج (10 سنوات)، عن حبها لمادة الرياضيات، لكن منذ بدء الغارات الجوية في قريتها في إدلب، أصبحت المدرسة مجرد حلم بالنسبة لها.
ووصفت الانتقال بين منازل الأقارب هربا من القصف المستمر، حتى تمكنت أسرتها أخيرا من الوصول إلى المخيمات الموجودة على جانب الطريق.
وتقول بشرى: "تركنا نصف أغراضنا.. منزلا، وحجرات، وألعابا، ترادوني كوابيس عن طائرات تضرب منزلي".
وأضاف الباحث السوري بكلية كينجز أن "عمليا لا يمكن للاجئين مغادرة سوريا"، مشيرا إلى أن "الترجيح الأقرب هو مشاهدة موجة كبيرة من النازحين داخليا، الذين سيحاولون الاقتراب قدر الإمكان من الحدود التركية، لكن لن يسمح لهم بالذهاب إلى هناك".
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز