بعد الرقة.. هل تقرع آذان العالم معركة إدلب الفاصلة؟
لماذا إدلب باتت المصب لعناصر المعارضة المسلحة الفارين من مناطق سيطرة الجيش السوري؟ وأي معركة تنتظرها بعد معركة الرقة الكبرى القريبة؟
يفر عناصر المعارضة المسلحة من حلب وحمص ودمشق إلى إدلب، عقب كل معركة يسيطر فيها الجيش السوري على إحدى المدن أو يتوصل مع المعارضة المسلحة لاتفاق مصالحة.
فلماذا إدلب؟ ولماذا تقبل الحكومة السورية أن تكون مصبًا لعناصر المعارضة؟ وإلى متى تنوي تركيا استمرار السيطرة عليها رغم أنها واقعة بين مدن يسيطر عليها الجيش السوري؟ وهل من معركة قادمة يتم التحضير لها تجيب على هذه الأسئلة؟
فمدينة إدلب، بشمال غرب سوريا، يحدها من الشمال مدينة حلب، ومن الشرق حماة، ومن الجنوب اللاذقية، وكلها مدن تحت سيطرة الجيش السوري الحكومي.
أما في الغرب فهي المتنفس الوحيد للمعارضة المسلحة، حيث تقع الحدود بينها وبين تركيا، التي تمد الكثير من فصائل المسلحة هناك بالدعم في القتال والإسعاف والإغاثة والتجارة وتوفير موارد الرزق.. إلخ.
ونجح الجيش السوري في الاحتفاظ بالسيطرة على مدينة إدلب حتى مارس/آذار 2015 حين وقعت في يد جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً وفصائل أخرى)، لتكون المدينة الثانية التي تسقط من يد الجيش بعد مدينة الرقة منذ نشوب الحرب عام 2011.
ومنذ ذلك التاريخ والجيش السوري وحلفاؤه (روسيا وإيران) يكثفون غاراتهم لاستهداف مواقع المعارضة في المدينة على أمل الضغط عليهم واستردادها.
وتثير هذه الغارات غضب تركيا التي تسعى لتكون المدينة مخلب القط لها في سوريا، ففي يناير/كانون الثاني 2017 هدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن سعي النظام السوري للسيطرة على مدينة إدلب سيؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار في البلاد وانتشار الفوضى من جديد بها.
ورغم نفي تركيا المتواصل لدور لها في إدلب إلا أن هذا التصريح ووقائع أخرى تؤكد تدخلها في دعم فصائل المعارضة المسلحة هناك.
وإضافة إلى الفصائل المسلحة المتواجدة بالفعل في إدلب منذ سقوطها عام 2015 يد المعارضة، فإن المدينة باتت القبلة والمصب للآلاف من عناصر المعارضة التي تفقد أماكن نفوذها في مدن أخرى مثل حلب وحمص ودمشق.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2016 توصلت لجنة المصالحة في مدينة معضمية الشام بريف دمشق وداريا إلى اتفاق مع الحكومية السورية يقضي بترحيل أكثر من 800 معارض وعائلاتهم باتجاه محافظة إدلب.
وهؤلاء المعارضين ينتمون إلى فصائل (الاتحاد الإسلامي أجناد الشام - لواء الفجر - ولواء سيف الشام).
وبعد استرداد الجيش السوري لمدينة حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016، تم التوصل لاتفاق مصالحة يقضي بخروج المسلحين وعائلاتهم من المحافظة، وخرج بالفعل الكثير منهم باتجاه إدلب.
كذلك في مارس/آذار 2017 تم التوصل لاتفاق مصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة تحت رعاية روسية في مدينة حمص الخاضعة لسيطرة الحكومة، يقضي بالعفو عن العناصر المسلحة التي تقبل التخلي عن السلاح، وإفساح المجال للعناصر الرافضة للمصالحة للخروج الآمن من حمص.
وبدأ بالفعل منذ نهاية مارس/آذار خروج مئات من المسلحين على دفعات باتجاه مدينة إدلب أيضا.
وفي 29 مارس/آذار 2017 قالت مصادر حكومية و"المرصد السوري لحقوق الإنسان" (مركز معارض مقره لندن ويقول إنه يستقي أخباره من نشطاء) إنه سيتم إجلاء السكان الشيعة ببلدتين تقعان تحت سيطرة الحكومة مقابل إجلاء عناصر المعارضة السنة وأسرهم من بلدتين تخضعان لسيطرة المعارضة في إطار اتفاق عن طريق الوساطة بين الأطراف المتحاربة.
وتحاصر المعارضة المسلحة بلدتي الفوعة وكفريا اللتين يقطن بهما عدد كبير من الشيعة بمحافظة إدلب بشمال غرب سوريا، فيما تحاصر القوات الحكومية بلدتي الزبداني ومضايا بشمال غرب دمشق، الخاضعتين لسيطرة المعارضة، والقريبتين من الحدود اللبنانية.
ووصف رامي عبد الرحمن، مدير المرصد الأمر، بأنه تغيير سكاني على أساس طائفي، وأكبر اتفاق من نوعه على تبادل سكان.
وكانت جامعة الدولة العربية حذرت من عملية تغيير في التركيبة السكانية تجري في عدة مدن في سوريا.
وبشكل صريح قال أمينها العام، أحمد أبو الغيط، خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في ديسمبر/كانون الأول 2016، عقب سيطرة الجيش السوري على حلب، إن "عمليات خروج المدنيين من المدن التي تجري فيها مباشرة العمليات العسكرية لا ينبغي أن تفضي إلى تغيير ديموغرافي أو فرض واقع سكاني جديد في البلدات والمدن السورية".
وحذر أبو الغيط من عملية تغيير في تركيبة السكان "تغيير ديموغرافي" تتعرض له حلب، لافتاً إلى أن هناك نموذجاً مقلقا لتهجير المدنيين؛ حيث يجري تفريغ شرق حلب من سكانها وتوطين أغراب محلهم، وأنه لا يتم تسجيل أسماء من يغادرونها، ولا يتم إثبات ملكيتهم لأراضيهم وعقاراتهم.
كما أشار أبو الغيط إلى أن هذا الأمر تكرر في مناطق أخرى.
وتحدثت تقارير عن أن هذا الإحلال والتبديل سيؤدي إلى المساهمة في عملية إعادة تركيبة السكان في بعض المدن، خاصة تلك المقسمة بين نفوذ سوري مدعوم بإيران، ونفوذ لفصائل مسلحة مدعومة بتركيا، على أساس تقسيم عرقي وطائفي جديد ينذر بعدم عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل 2011.
ولا تبدو إدلب متأثرة كثيرا بالأجواء الخانقة للمعارك فيما يخص وضعها الاقتصادي، خاصة ما يتعلق بنمط حياة الفصائل المسلحة التي تسيطر عليها؛ حيث تغذيها الحدود التركية بفرص للتجارة تساعدها على مواجهة الجيش السوري.
ومن أبرز أنواع التجارة المنتعشة عبر الحدود بين إدلب وتركيا تجارة الحديد والتي تستخدم في تنشيط عملية البناء.
واتهم الرئيس السوري، بشار الأسد، في 2015 صراحة في مقابلة مع صحيفة "إكسبرسن" السويدية تركيا بتقديم الدعم الذي ساعد المعارضة المسلحة في السيطرة على مدينة إدلب، واعتبر أن هذا الدعم كان "العامل الرئيسي".
ولمدينة إدلب أهمية استراتيجية كبيرة، ليس فقط كونها مدينة حدودية مع تركيا التي تدخلت عسكريا صراحة حين توغلت قواتها في شمال سوريا تحت اسم عملية "درع الفرات" أغسطس/آب 2016، ولكن أيضا لثروتها الأثرية والتي تعد مطمعا لبعض جماعات المعارضة المسلحة والدول التي ترعاها.
وظهرت هذه المطامع في أكتوبر/تشرين الأول 2016 حين تبادلت فصائل مسلحة الاتهامات بشأن سرقة الآثار والاحتفاظ بها في ريف إدلب، وذلك بعد أن عثرت "حركة أحرار الشام" على كمية من الآثار في أحد مقرات فصيل "جند الأقصى".
وفيما تقرع طبول الحرب لبدء القوى الدولية المتحاربة في سوريا معركة السيطرة على مدينة الرقة (يفصلها عن إدلب مدينة حلب)، والتي تسمى بمعركة الرقة الكبرى، باعتبارها أكبر مدينة واقعة تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، فإن السؤال يثور وماذا بعد هذه المعركة؟
وهل ستتجه الأطراف المنتصرة والخاسرة بعد انتهاء المعركة إلى إدلب باعتبارها ستكون الجيب الأخير للمعارضة والمعركة الفاصلة في تاريخ الأزمة السورية، أم ستبقى تحت السيطرة التركية ضمن خريطة تقسيم جديدة لسوريا لن تعود بعدها إلى ما قبل 2011؟