الحقيقة التي يعيشها الشباب في ليبيا، والقادمون نحوها من أفريقيا، إما القتال كمرتزقة وإما التوجه نحو المتوسط.
نزرع بذور الأحلام في أطفالنا لتكبر معهم وتورق، ونلومهم على أي تقصير في دراستهم أو التزاماتهم، فيعملون بجد وكد ويسهرون الليالي حالمين بشهاداتهم، ويحصلون عليها، ويحتفلون ونحتفل.
هكذا رُبّيت أجيال في دول شمال أفريقيا، ثقافة تعتمد على بث حبّ العلم والإيمان بأنه مفتاح المستقبل والعمل، وأن الحياة وراء أبواب الأحلام مزهرة مضيئة.
نحجب عنهم دخان الحروب وما يحدث وراء الحدود، وكأن هَمّ سكان بقية الدول الأفريقية لا يعنينا ومشاغل "الشرق الأوسط" بعيدة عن أراضينا.
على المجتمع الدولي وعبر مؤسساته ومنظماته، أن يتحمل مسؤولياته، ويسخر أدواته للبحث بدقة فيما وصلت إليه الإنسانية الآن من كوارث وأوضاع يمكن بالتأكيد وبأساليب علمية دقيقة البحث في أسبابها، ليتحمل كلٌّ مسؤولياته ونوقف هذا النزيف المتدفق نحو أوروبا
وكبر الصغار لتصغر الأحلام، وتثقل الهموم وتتحرك الأماكن، "الشرق الأوسط" تحرك نحوهم الآن ليشغلهم منهم وفيهم، وأفريقيا تحرك بشرها من غربها وشرقها نحو الشمال، نحو بوابة العبور، البحر الأبيض المتوسط.
والسؤال هنا: مَن الذي حرك هؤلاء من بلدانهم؟ ومن الذي أوصل الشرق الأوسط إلى ما هو عليه؟
التغيرات الدولية بالتأكيد، ومنذ حرب الخليج الأولى بدأت في إحداث تغييرات على المنطقة.
لكن الأخطار الحقيقية بدأت مع ظهور الحركات الإرهابية، وأصحاب الأفكار المتطرفة والذين نشروا سمومهم في عقول الشباب الذي كان يحلم بالنور، ليحولوا وجهته نحو أنوار "جنات وهمية" والعيب ليس على أصحاب هذه الأفكار ومن بدأوا طريق الإرهاب بقدر ما نحمله لمن فرش لهم السجاد الأحمر وفتح أبواب القصور وأجلسهم مع الأمراء ليتلقوا أموال شعوب نهبت لدعم الإرهاب وقمع الأحلام ، والوصول بنسبة كبيرة من الجيل الحالي للوقوف في الموقف الذي أوقع فيه طارق بن زياد جيوشه وقال: "البحر أمامكم والعدو وراءكم".
إنها فعلا الحقيقة التي يعيشها الشباب في ليبيا، والقادمون نحوها من أفريقيا، إما القتال كمرتزقة وإما التوجه نحو المتوسط في رحلة تتساوى فيها نسب الحياة والموت.
وأمس أصدرت المفوضية السامية للاجئين أن حرس السواحل الليبي قد أنقذ قرابة ١٤ ألف مهاجر خلال ١٠٤ عمليات منذ بداية العام الجاري ٢٠١٨.
وأكثر من ٥٥ ألف طالب لجوء مسجل لديها من ليبيا.
مَن فتح أبواب الأمل أمام هؤلاء ثم تخلى عنهم؟
هذا هو السؤال.
وندعو الأمم المتحدة ومؤسساتها، وفي هذه الحالة المفوضية السامية للاجئين، وكل الدول الأوروبية المتعاونة أن تكف الآن عن توجيه اهتمام الجماهير نحو النتائج، لأن الأهم هو التعامل مع الأسباب والدوافع والتعامل معها بالأساس، ثم محاولة معالجة النتائج.
وأطلقت اللجنة الدولية حول الأشخاص المفقودين في البحر الأبيض المتوسط من روما شهر يونيو الماضي، مبادرة مع مندوبين من إيطاليا ومالطا واليونان وقبرص، لإحصاء المهاجرين المفقودين.
المؤسف أن كل التقارير التي تخرجها هذه اللجان، وغيرها من المنظمات الدولية الحكومية أو غير الحكومية أو المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، هي فقط حسر الخسائر وتحديد أرقام طالبي اللجوء والحاصلين عليه، أو من تمت إعادتهم إلى بلدانهم أو احتجازهم.
ولا تقارير عميقة تحدد المسؤولين الحقيقيين ممن دفعوا بهؤلاء نحو رحلات الموت.
نرى نتائج "الربيع العربي"، لكن لا لجان تبحث في من وراءه، وكأن الشعوب خرجت فجأة لكسر نمط الحياة، وأنظمتها وهدم بلدانها وتدميرها كما نرى في سوريا وليبيا، أو هدم اقتصادها كما نرى في تونس.
الجواب المفتاح سيكون جاهزا عندما يبدأ البحث بجدية في الأموال القطرية وتحويلاتها عبر كل دول العالم، متى تمت وإلى من وجهت؟ ستكون هي الإجابة الأولى والعلاج الأساسي، ثم بعد ذلك دخول النظام التركي الحالي وحليفه الإيراني على الخط.
على المجتمع الدولي وعبر مؤسساته ومنظماته أن يتحمل مسؤولياته، ويسخر أدواته للبحث بدقة فيما وصلت إليه الإنسانية الآن من كوارث وأوضاع يمكن بالتأكيد وبأساليب علمية دقيقة البحث في أسبابها، ليتحمل كلّ مسؤولياته ونوقف هذا النزيف المتدفق نحو أوروبا التي يتصاعد فيها اليمين اليوم رفضا وصدًّا لهؤلاء البشر الذين يتحولون بدورهم وأمام انعدام السبل إلى إرهابيين أو أدوات لعقول إرهابية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة