تقلّبت أسعار النفط خلال الأسبوع لأسباب منطقية.
فبعد أن انخفضت الأسعار يوم الاثنين الماضي بنحو 5% عادت لترتفع يومي الثلاثاء والأربعاء. وكان وراء الانخفاض الانتشار السريع للمتحور أوميكرون، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، وتفكير بعض الدول - مثل هولندا والمملكة المتحدة وألمانيا- في فرض قيود أشد.
وقد ثبت أن المتحور أوميكرون سريع الانتشار بالفعل قياسا بالمتحورات السابقة، بحيث باتت معظم الإصابات الجديدة تُنسب لهذا المتحور.
وكان وراء الارتفاع في أسعار النفط يوم الثلاثاء تقرير معهد البترول الأمريكي، الذي قدّر هذا الأسبوع أنه تم سحب نحو 3.670 مليون برميل من المخزون التجاري من النفط الخام في الولايات المتحدة، وذلك خلال الأسبوع المنتهي يوم 17 ديسمبر.
وبذلك يصل إجمالي ما تم سحبه من هذا المخزون منذ بداية السنة نحو 65 مليون برميل.
ورغم أن الأرقام الأكثر دقة هي تلك التي تصدر غالبا في اليوم التالي عن إدارة معلومات الطاقة، فإن تقرير معهد البترول غالبا ما يؤثر على الأسواق في اليوم الذي يصدر فيه، خاصة إذا كان يحتوي على تغيرات كبيرة في أرقام المخزون بالسحب أو الإضافة. وغالبا ما تتماسك أو ترتفع الأسعار إذا ما كان التقرير يشير إلى سحب من المخزون، وتميل الأسعار للانخفاض إذا ما كان هناك إضافة يُعتد بها في المخزون. وغالبا ما تتكرر القصة نفسها مع التقرير الذي يصدر في اليوم التالي عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، والذي يحتوي على الأرقام الأكثر دقة.
وقد ترافق مع السحب من المخزونات استمرار قوي للطلب الأمريكي على المنتجات النفطية. وكان كل من الطلب الأمريكي والمخزونات قد قدّما دعما لأسعار النفط في الشهور الأخيرة، وباستثناء بعض التقلبات، فقد استمرا في تقديم الدعم، مع وصول المخزون التجاري من النفط الخام إلى أقل من مستوى متوسط هذا المخزون خلال خمسة أعوام خلال هذا الوقت من السنة، كما سنشير تفصيلا لاحقا.
وبينما تذبذبت أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة من مستوى مرتفع يبلغ 85 دولارا للبرميل في أواخر أكتوبر، إلى أقل من 70 دولارا في أواخر نوفمبر، وسط مخاوف من أن يعمل المتحور أوميكرون على إضعاف الطلب وتوقع حدوث فائض عرض وشيك، فإن المخزونات الأقل كانت دائما وراء الزخم في أسعار النفط، خاصة لخام غرب تكساس الوسيط.
وفي تضافر مع الطلب القوي على البنزين والطلب المرتفع عامة على منتجات النفط، عملت المخزونات الأمريكية المنخفضة على دعم صعود أسعار النفط، أو على الأقل حالت دون انخفاضها انخفاضا شديدا، وذلك على الرغم من مخاوف السوق من حدوث انخفاض في تعافي الطلب العالمي على النفط والعودة لتسجيل فائض عرض خلال الأسابيع المقبلة.
أما من الجهة الأخرى، تظل الأنظار معلقة بما يحدث على جبهة "كوفيد-19".. فمنذ نحو أسبوع ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الارتفاع في عدد الحالات المسجلة من مرض كوفيد ستعمل على التباطؤ التدريجي في تعافي الطلب العالمي على النفط، ولكن أثر المتحور أوميكرون من المحتمل أن يكون أقل شدة من الموجات السابقة، ولن يقضي كليا على التعافي في الطلب الحالي.
وقالت الوكالة الدولية للطافة في تقريرها الشهري الأخير "إن إجراءات احتواء المتحور الجديد، والتي تم وضعها لوقف انتشار الفيروس، من المحتمل أن تكون أقل في شدة التأثير على الاقتصاد مقارنة بالموجات السابقة، على الأقل بسبب حملات التطعيم المنتشرة.. ونتيجة لهذا، فإننا نتوقع أن يكون الطلب على الوقود المستخدم في التنقل على الطرق والمواد الأولية للصناعات البتروكيماوية مستمرا في تسجيل معدلات نمو جيدة".
ويعد الطلب على وقود الطائرات هو أكبر ضحية للمتحور أوميكرون مع القيود التي تم فرضها من جديد على متطلبات الدخول للعديد من البلدان، بما في ذلك الأفراد الذين تم تطعيمهم بالكامل.
وعموما فقد تماسك الطلب العالمي على منتجات الوقود. وهذا يعد صحيحا، خاصة في حالة الولايات المتحدة، حيث إن استهلاك البنزين ما يزال قويا رغم الأسعار المرتفعة، وحيث مخزونات النفط عند مستوى أقل من المعتاد في مثل هذا الوقت من السنة.
وكما يرى البعض، فإنه حتى مع توقع بناء المخزونات من النفط الخام والمنتجات خلال الشهور المقبلة، فزيادة المخزونات سوف تبدأ من مستويات أقل بكثير مما حدث خلال الأعوام السابقة، وهو ما يحول دون حدوث فائض عرض كاسح ويحد من الضغوط النزولية المنتظرة على الأسعار.
والواقع أن دور حركة المخزون كان في تأثيره على الأسعار أكثر من واضح من تتبع البيان الأسبوعي الذي تقدمه إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. فقد انخفض المخزون التجاري الأمريكي "أي مع استثناء المخزون الموجود في الاحتياطي الاستراتيجي" بمقدار 4.7 مليون برميل في الأسبوع المنتهي 17 ديسمبر، مقارنة بالأسبوع السابق، الذي كان المخزون قد انخفض فيه هو الآخر بمقدار 4.6 مليون برميل.
وعند مستوى يبلغ 423.6 مليون برميل، فإن المخزون الأمريكي من النفط الخام يعد أقل بنسبة 8% من المستوى المتوسط لهذا المخزون خلال خمسة أعوام.
وعلى الرغم من ارتفاع مخزونات البنزين بمقدار 5.5 مليون برميل، فإنها ما زالت تقل بنحو 4% عن المستوى المتوسط خلال خمسة أعوام. وعلى الرغم أيضا من زيادة المخزون من منتجات المقطرات بمقدار 0.4 مليون برميل فإنه ما يزال أقل من المستوى المتوسط للمخزون خلال خمسة أعوام بنسبة 8%.
وقد هبط إجمالي المخزون من الخام والمنتجات مجتمعة بمقدار 7 ملايين برميل.
ويضيف البعض أيضا إلى الأسباب وراء ارتفاع الأسعار يوم الثلاثاء الماضي -وإن كان بشكل أقل أهمية- إعلان ليبيا حالة القوة القهرية في صادراتها، وهو ما يخوّل لها عدم الوفاء بكمية الصادرات المتعاقد عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة