من ضمن الأسئلة المثيرة للتفكير والتأمل التي وُجهت لي في برنامج "السطر الأخير" بقناة أبوظبي من قبل المحاور المتميز الأستاذ أحمد اليماحي..
أثناء تغطية القناة حضور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، لقمة مجموعة "بريكس" التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي في مدينة قازان الروسية هي: إلى أين يمكن أن يذهب أفق تجمع "بريكس"؟
والسؤال الآخر، كيف يمكن أن نقرأ العلاقة الخاصة بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع قادة العالم وكذلك العلاقة المتينة لدولة الإمارات مع باقي دول العالم؟
وبانتهاء القمة، يوم الجمعة الماضي، ربما الصورة تكون الصورة باتت أوضح بكثير مما تطرقت إليه في إجابتي للسؤالين، بل أظن أن ما شاهدناه في القمة يحمل العديد من الدلالات السياسية على مستوى النظام الدولي أكثر مما هي كانت في البدايات الأولى لتأسيس التجمع في عام 2009.
حيث يشير اجتماع قادة دول تجمع "بريكس" إلى أن دول التجمع جادة في التحرك نحو إعادة تشكيل النظام العالمي، خصوصاً في جانبه الاقتصادي. وأن هذه الجدية في التحرك ليست مقصورة على المستوى النظري وإنما يصحبها أيضاً خطوات عملية لمنح ذلك التوجه قوة دفع حقيقية.
وتجسدت هذه الجدية في المشاركة رفيعة المستوى للقادة والرؤساء في القمة، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الذي قوبل حضوره القمة بحفاوة كبيرة وتقدير لما يعنيه من زخم وتعزيز للقمة ولتجمع "بريكس".
فبعد الخطوة الجريئة التي اتخذتها الدول المؤسسة لتجمع "بريكس" بإنشاء تكتل اقتصادي تنموي جديد يحمل بشائر نظام اقتصادي عالمي جديد، أحسنت تلك الدول باتخاذ قرار توسيع العضوية، وضم أعضاء جدد.
والميزة الكبرى في هذا التطور، هي طبيعة وقدرات الدول المنضمة إلى "بريكس" فالدول الخمس التي انضمت هي "الإمارات، السعودية، مصر، إيران، إثيوبيا" وهي تشكيلة تضيف قوة كبيرة وقدرات متنوعة إلى أعضاء "بريكس". حيث تجمع هذه الدول قوة المورد البشري كماً ونوعاً (مصر وإيران) إلى جانب القدرات التمويلية والتنظيمية والثقل العالمي (الإمارات والسعودية) وتضاف إلى ذلك إمكانية اضطلاع إثيوبيا بدور نقطة انطلاق للتجارة مع أفريقيا، سواءً توريد المواد الخام منها أو تصدير السلع والمنتجات النهائية إلى الأسواق المستهلكة في القارة السوداء.
وهناك ملاحظة مهمة على تركيبة الدول المنضمة حديثاً إلى "بريكس". وهي أن العلاقات الثنائية بين تلك الدول ليست في أفضل حالاتها، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة. فهي الدولة الوحيدة التي لها علاقات قوية وتعاونية وإيجابية مع الدول الأربع الأخرى المنضمة حديثاً، وكذلك مع الدول المؤسسة لتجمع "بريكس"، بل مع كافة دول العالم بلا استثناء.
ولا شك أن في هذه الميزة فرصاً وتخلق آفاقاً واسعة لدور محوري وفعال تضطلع به دولة الإمارات داخل هذا التجمع الواعد، على المستويين الجماعي والثنائي.
وفي هذا بعد سياسي مهم، فكما هو معروف، تترك القضايا والتحديات السياسية بصمة كبيرة على العلاقات بين الدول بما فيها العلاقات الاقتصادية. ومن هنا تأتي أهمية أن يكون داخل مجموعة "بريكس" دولة مثل الإمارات لا قيود ولا عقبات سياسية أو غيرها تعوق التواصل والتنسيق والتعاون مع كافة دول "بريكس" ليس فقط في القضايا التنموية والتوجهات العامة نحو العالم، لكن أيضاً فيما يتعلق بالمسارات الثنائية بين الدول الأعضاء.
وقد تجلت هذه المكانة الخاصة والمتميزة لدولة الإمارات داخل منظومة "بريكس"، في المشاركة المتميزة والمقدرة للوفد الإماراتي رفيع المستوى بقيادة رئيس الدولة. والذي قوبلت كلمته أمام القمة بتثمين وتقدير الحضور والمشاركين من قادة الدول والوفود. ثم فيما حفلت به زيارته لروسيا من لقاءات واجتماعات عالية المستوى وإيجابية في مضمونها ونتائجها. والتي جسدت بحق اعتراف الدول المشاركة وقادتها بما تملكه دولة الإمارات من قدرات وإمكانات على كافة المستويات، وخصوصاً على المستوى القيادي متمثلاً في القيادة الحكيمة الرشيدة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وبالتالي، سيمثل عمق الرؤية الإماراتية وصواب تقديرات قيادتها الحكيمة، ميزاناً حاكماً لآليات العمل ودليلاً ضابطاً واتجاهات التخطيط المستقبلي في تجمع "بريكس".
بناء على كل ما سبق، يمكن تأكيد أن عضوية دولة الإمارات في "بريكس" نقطة تحول مهمة في مسار التجمع ومستقبله. فالإمارات ليست في حالة تنافس على النفوذ والهيمنة العالمية مثل روسيا والصين مع الولايات المتحدة والغرب. ولا هي مشتبكة في صراعات ونزاعات إقليمية سياسية أو غيرها. والهمّ الإماراتي الأساسي وشغلها الشاغل، هو بناء مستقبل مشرق وحياة آمنة ومزدهرة لأبنائها ولكل الشعوب في الحاضر والمستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة