الحد الأدنى للأجور في لبنان.. معضلة تؤرق الحكومة

في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، يعلّق اللبنانيون آمالهم على الحكومة الجديدة لاتخاذ إجراءات ملموسة وعاجلة لرفع الأجور المتدنية التي أثقلت كاهلهم، بعد سنوات من الجمود السياسي والانهيار المالي.
وكان ملف الأجور قد شهد نقاشات خجولة وإشارات غير ملزمة في عهد الحكومة السابقة، دون ترجمة هذه النقاشات إلى قرارات أو إجراءات فعلية تخفف من وطأة الأزمة المعيشية على الموظفين والعمال.
التضخم الاقتصادي
على الرغم من التضخم الاقتصادي المتصاعد واتساع فجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص، بقيت الرواتب في لبنان تراوح مكانها دون أي تعديل يُذكر لفترة طويلة. هذا الجمود استمر حتى عام 2024، الذي شهد تحركًا طفيفًا على صعيد الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.
رفع الحد الأدنى للأجور في 2024
ففي خطوة جاءت بعد طول انتظار، تم اتخاذ قرار خلال عام 2024 برفع الحد الأدنى للأجور للعاملين في القطاع الخاص إلى 18 مليون ليرة لبنانية، وهو ما يعادل نحو 200 دولار أمريكي وفقًا لسعر صرف السوق السوداء آنذاك (90 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد).
وقد سبق هذا القرار سلسلة من الاجتماعات المكثفة بين لجنة المؤشر، والهيئات الاقتصادية، ونقابات المهن الحرة، ووزير العمل في حينه، مصطفى بيرم. هذه المشاورات أفضت في النهاية إلى هذا التعديل الطفيف الذي اعتبره الكثيرون غير كافٍ لمواكبة الارتفاع الجنوني في الأسعار وتكاليف المعيشة.
لماذا لم يشمل القطاع العام؟
ورغم أهمية هذا القرار كخطوة أولى، فإنه لم يشمل القطاع العام، الذي بقي موظفوه يعانون من تدهور قيمة رواتبهم بشكل كبير. كما أن قيمة الحد الأدنى الجديد للأجور في القطاع الخاص، بالنظر إلى سعر صرف الدولار المتقلب وارتفاع الأسعار، لا تزال موضع جدل حول مدى قدرتها على تحقيق تحسين ملموس في حياة العاملين وأسرهم.
عاد ملف الأجور ليفرض نفسه بقوة على الساحة اللبنانية، وذلك بعد أن ترأس وزير العمل الحالي، محمد حيدر، اجتماعًا للجنة المؤشر. في وقت سابق وقد خصص الاجتماع لبحث سبل معالجة أوضاع رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص، الذين يرزحون تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المستمرة.
خطوة ضرورية
وفي إشارة إلى جدية المساعي الحكومية، أعلن وزير العمل عن سلسلة اجتماعات متتالية ستعقدها اللجنة في الفترة القادمة. وستتناول هذه الاجتماعات عدة مواضيع حيوية، يأتي في مقدمتها دراسة إمكانية رفع الحد الأدنى للأجور، الذي يعتبره الكثيرون خطوة ضرورية لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
ومع استعادة المؤسسات الدستورية لدورها، يرى المراقبون أن الفرصة باتت سانحة لإعادة فتح هذا الملف بشكل جدي ومسؤول، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على عجلة الاقتصاد الوطني.
أكد نائب رئيس جمعية الصناعيين، زياد بكداش، في تصريحات صحفية محلية ،على التوازن الذي يبديه وزير العمل الجديد، محمد حيدر، في تعامله مع ملف الأجور. وأوضح بكداش أنه "لا شك في أن وزير العمل الجديد محمد حيدر، يقف على مسافة واحدة بين أصحاب العمل والعمّال".
قناعة عامة بصعوبة زيادة الأجور!
وأشار بكداش إلى وجود "قناعة عامة بصعوبة زيادة الأجور" في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، لكنه في الوقت نفسه شدد على أنه "لا يمكن البقاء على هذا الحد الأدنى للأجور" نظرًا لتدهور الأوضاع المعيشية.
وكشف عن "وجود اجتماعات جانبية تهدف إلى التوصّل إلى نقاط مشتركة بين جميع الأطراف" المعنية بملف الأجور، سعيًا للوصول إلى حلول توافقية.
وشدد بكداش على أن "هدف اجتماعات لجنة المؤشّر هو التطرّق إلى مسألة الراتب وبدل النقل والمنح المدرسية"، مؤكدًا على "تحمّل المسؤولية في هذا المجال، بسبب تقصير الدولة تجاه شعبها والعمال على مدى أربعين عاماً".
كما أبرز بكداش "نقطة مهمّة تتعلّق بموضوع نهاية الخدمة"، مؤكدًا: "نعمل على الوصول إلى أرضية مشتركة لحلّ هذه المشكلة". وجزم بأنه "لا يوجد رقم محدد بعد لرفع الحد الأدنى للأجور، لكنه سيرتفع حتماً".
وتطرق بكداش إلى "مشكلة أخرى، وهي أن الحد الأدنى في بيروت يختلف تماماً عنه في الجنوب والبقاع، نتيجة تداعيات الحرب"، مشيرًا إلى أن "هناك أصحاب عمل متضرّرون لا يستطيعون تحمّل أي زيادة في الأجور".
تحقيق توازن بين المطالب المرتفعة والإمكانات المحدودة
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي، أنيس بو دياب، على وجود "توافق بين الأطراف المجتمعة على أن الحد الأدنى الحالي للأجور هو دون خط الفقر، ويجب رفعه".
وأوضح بو دياب أن "التريث في اتخاذ القرار هدفه عقد اجتماعات مكثفة بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، بمساهمة رئيس المجلس الاقتصادي، للوصول إلى أرقام واضحة تلبي من جهة مطالب الاتحاد العمالي، ومن جهة أخرى قدرات الهيئات الاقتصادية".
وشدد على أهمية الأخذ في الاعتبار التفاوت الاقتصادي بين المناطق اللبنانية، قائلاً: "لا يمكن الحديث عن لبنان وكأنّه يقتصر على بيروت وجبل لبنان حيث توجد حركة اقتصادية مقبولة نسبياً، في حين أن نحو 40% من المؤسسات معطّلة في جنوبي لبنان والضاحية الجنوبية والهرمل وبعلبك". وحذر من "تحميل الهيئات الاقتصادية أعباء جديدة قد تؤدي إلى نتائج سلبية إضافية".
وأكد بو دياب على "ضرورة تحقيق توازن بين المطالب المرتفعة والإمكانيات المحدودة" عند بحث ملف الأجور.
وفي سياق متصل، تطرق إلى متمّمات الراتب، مشيرًا إلى أن "الضمان الاجتماعي سيرفع التعويض العائلي بنسبة 100%... وكذلك سيتم رفع منحة التعليم". وجدد تأكيده أنه "لا يوجد حتى الآن رقم محدد بشأن الحد الأدنى الجديد للأجور".