مبادرة أم اختبار.. الصدر يدفع بالمستقلين إلى الواجهة انتظارا للمواجهة
يدفع رئيس التيار الصدري بعقدة الأزمة السياسية الراهنة في العراق نحو ساحة القوى والشخصيات المستقلة لحسم تشكيل الحكومة المقبلة بعد فشل المهلة التي منحها لخصومه في الإطار التنسيقي.
وشكل صعود الشخصيات المستقلة ضمن القوائم المنفردة أحد أبرز المتغيرات التي حملتها انتخابات أكتوبر/تشرين الأول المبكرة بعد أن تجاوزت أثقالهم في مجلس النواب الحالي أكثر من 40 مقعداً، في علامة فارقة لم تسجل طيلة الدورات السابقة.
ومنذ تصاعد الخلاف بين الصدر الذي يتقدم بمعية القوى السنية (تحالف سيادة) والحزب الديمقراطي مع الإطار التنسيقي، كانت القوى المستقلة مطلبا يقصده الفريقان المتخاصمان لكسب ودها وضمها إلى أحد الجانبين.
ويتبنى أغلب النواب والقوى البرلمانية المستقلة مواقف من الأحزاب المسلحة ومشاريع تقاسم السلطة عبر آليات التوافق والمحاصصة.
ودفعت موجة الاحتجاجات الغاضبة التي عمت أرجاء البلاد في خريف 2019، في تصاعد حظوظ الشخصيات المستقلة في انتخابات أكتوبر المبكرة عقب اتساع مقبوليتهم لدى الشارع العراقي الناقم على القوى التقليدية التي حكمت البلاد ما بعد 2003.
وعقب قرار المحكمة الاتحادية بإلزام جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بثلثي أعضاء مجلس النواب برزت القوى المستقلة كـ"بيضة قبان" لتجاوز أزمة الثلث المعطل.
وكان مجلس النواب قد فشل لأكثر من مرة في تحقيق جلسة نصاب قانوني لتمرير مرشح رئاسة الجمهورية الذي يتطلب حضور 220 نائباً، مما دفع المشهد العراقي نحو الانسداد السياسي وتوقيف عقارب الزمن والتي بموجبها دخلت البلاد في خرق للتوقيتات الدستورية الملزمة لاستكمال تشكيل الأضلاع الثلاث للدولة.
مبادرة أم فخ
وكان الصدر وعقب خلاف عقيم مع الإطار التنسيقي، منح الأخيرة مهلة أربعين يوماً للمضي بتشكيل الحكومة شرط أن تأتي وفق "الأغلبية الوطنية"، حتى لو تطلب الأمر التحالف مع أصدقائه في "إنقاذ وطن".
وقبيل ساعات من انقضاء المهلة، قدم الإطار ورقة عدتها بـ"المبادرة"، التي تحمل توصيفاً للانسداد الحاصل وفرص معالجة الخلاف الدائر، في حين عدتها قوى سياسية ومراقبون بأنها تكرار لمواقفها السابقة بالتمسك بالسلطة والذهاب نحو التوافق والمحاصصة.
وجاء في إحدى فقرات مبادرة الإطار التي عرفت بورقة (9*9)، توجيه دعوة للمستقلين بتقديم مرشحهم لتولي إدارة الحكومة شرط أن يحظى بمقبولية الكتلة الأكبر التي ستكون قوى إيران جزءاً منها.
وبعد ساعات، كشف الصدر عن مبادرة منح بموجبها الشخصيات والقوى المستقلة الضوء الأخضر في تشكيل الحكومة المقبلة خلال 15 يوماً، شرط أن لا يقل وجودهم البرلماني عن 40 مقعداً وأن يكونوا حاضرين ضمن جلسة التصويت على رئيس الجمهورية بما يكسر الثلث المعطل.
المحلل السياسي سلام الحسيني، يرى في توقيت مبادرة الصدر بأنه استدرج "الإطار التنسيقي" لمنطقته عبر تسريب خبر على لسان إحدى نائبات -الكتلة الصدرية- عن مبادرة سيطلقها لحل عقدة الانسداد قريباً.
والمعروف أن الكتلة الصدرية" ملتزمة بالصمت الأربعيني"، متسائلاً باستغراب "هل كان التصريح اعتباطاً أو هفوةً وبلسان نائبة غير معروفة في الأوساط".
ويعزز قوله خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الأمر كان مقصوداً لاستدراج الإطار بغية رمي ذخيرته الفاسدة التي سيقتل نفسه سياسياً بها قبل غيره، وهو ما أقبل عليه بالأمس بمبادرة بدت هزيلة وهشة".
وأكد أن "الصدر" أراد أن ينتقل للمرحلة الثانية بعد حائط الصد الذي وضعته اتحادية الإطار لإجباره على التصدق بما تجود به أغلبية تحالفه المريحة ببضع مناصب ووزارات لحفظ التوازنات التي يتغذى عليها هذا الفريق".
وأشار إلى أنها "مرحلة المكاشفة واختبار النوايا للمستقلين والإطار معاً، الذي يضع معسكر الثلث المعطل أمام الأمر الواقع".
تفاعل القوى المستقلة
وبدا على القوى المستقلة الارتباك وغياب الموقف الموحد بينها في تلاقف دعوة الصدر مع التسليم بأهمية المبادرة وتأثيرها في حلحلة الانسداد وتثبيت الأحقية لنواب الشارع الاحتجاجي.رئيس المكتب السياسي لحركة امتداد، رائد الصالحي، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أكد أن لديهم رؤية متكاملة في أداء دورهم الحكومي سواء في السلطة التنفيذية أو المعرضة البرلمانية ضمن الجناح التشريعي".
وأكد الصالحي أن حركته "بصدد دراسة مبادرة الصدر وتنضيج المواقف بشأنها عبر سلسلة من الاجتماعات وما بعد ذلك سيتم الإعلان عن موقفنا النهائي منها"، مؤكداً "قدرة القوى المستقلة على تشكيل الحكومة لو كان هناك تحييداً للأحزاب المسلحة والمليشيات المتنفذة".
وينضم تكتل "امتداد"، برئاسة علاء الركابي مع "الجيل الجديد"، الذي يقوده شاسوار عبد الواحد تحت تحالف "من أجل الشعب"، والذي يضم نحو 18 نائباً.
من جانبها، أعلنت كتلة "العراق المستقل" النيابية، في بيان "قبول مبادرة الصدر بدعوة النواب المستقلين لتشكيل حكومة وطنية مستقلة تعبر عن تطلعات المواطن وتسعى للارتقاء بالخدمات وإعمار البلد".
وأوضح أن قبولها مبادرة الصدر يأتي "إيماناً بالمسؤولية الوطنية وتغليباً للمصلحة العامة وللخروج من أزمة الانسداد السياسي واحترام المدد الدستورية".
ودعت الكتلة "النواب المستقلين سواء من تحالف العراق المستقل أو المستقلين الأفراد إلى توحيد الجهود والكلمة للخروج بتشكيل سياسي مستقل هادف قادر على وضع حل للأزمة الحالية التي يمر بها البلد".
كما دعت كافة القوى السياسية إلى "دعم المبادرة الوطنية ونبذ الخلافات وعدم التأثير على النواب المستقلين سواء بالتهديد أو الوعيد واحترام إرادة الناخبين بعيداً عن المصالح الحزبية والفئوية كون المواطن قد عانى الكثير نتيجة الانسداد السياسي وتأخر تشكيل الحكومة الذي انعكس سلباً وبشكل واضح على حقوق المواطن و الخدمات وبناء البلد".