التضخم والفائدة.. معركة تصدع الاقتصاد العالمي في 2022
ضربت ظاهرة التضخم المتسارع اقتصادات العالم خلال عام 2022؛ الذي يُعد عاما للأزمات والتحديات المتشعبة بامتياز.
لقد عانت مختلف الدول، متقدمة كانت أم نامية، لهيب الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة، جراء الضغوط التضخمية للأزمة الروسية الأوكرانية التي طالت الغذاء والطاقة، بالإضافة إلى استمرار اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية جراء سياسة صفر كوفيد وتصعيد الولايات المتحدة وتيرة حربها التجارية لتشمل الرقائق.
أمور جميعها دفعت العالم إلى حقبة التضخم، لتسارع الحكومة إلى تشديد سياساتها النقدية؛ حيث أقدمت البنوك المركزية على إقرار سلسلة متتالية من رفع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم، لكن كان ذلك أشبه بالمسكن الاقتصادي العرضي، حيث زادت تكاليف الاقتراض، لتتضخم معها مستويات الدين العالمي.
التضخم العالمي.. والاقتراب من معدل الذروة
لقد بات تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي واسع النطاق وأكثر حدة مما كان متوقعًا، مع ارتفاع التضخم لمستوى أعلى مما شهده العالم لعقود؛ حيث بلغ مستويات قياسية هي الأعلى منذ أربعين عاما في بعض الاقتصادات مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وتتوقف آفاق الاقتصاد على المعايرة الناجحة لكل من السياسة النقدية وسياسة المالية العامة، ومسار الحرب في أوكرانيا، وآفاق النمو في الصين.
فيما أصبحت الأوضاع الخارجية أكثر صعوبة بالنسبة للأسواق الناشئة والدول النامية، وذلك في ظل الارتفاع الحاد في قيمة الدولار الأمريكي، وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، مما يجعل الدول النامية معرضة لعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
من جانبه، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ التضخم العالمي ذروته هذا العام عند 8.8%، قبل أن يتراجع إلى 6.5% في 2023 و4.1% في 2024.
كما من المتوقع أن يسجل التضخم في الأسواق المتقدمة نحو 7.2% خلال العام الجاري، وهو الأعلى منذ عام 1982.
سلاح الفائدة المرتفعة
ووسط ظاهرة التضخم المتسارع لجأت دول عدة عبر بنوكها المركزية إلى تشديد السياسة النقدية عبر رفع معدلات الفائدة. لذلك يمكن وصف عام 2022 أيضًا بعام الفائدة المرتفعة.
ومع تزايد الضغوط التضخمية اتجه ثلاثة وثلاثون مصرفا مركزيا من إجمالي 38 بنكا يتتبعه بنك التسويات الدولية إلى رفع الفائدة هذا العام، وهو أكبر اتجاه جماعي منسق لزيادة الفائدة في عقدين. لعل المثال الأبرز على شدة وطأة الضغوط التضخمية وتصاعد المخاوف من ركود تضخمي إقدام الاقتصاد الأمريكي الأكبر والأقوى عالميًا، عبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي" على زيادة الفائدة عبر 7 جولات متتالية من الرفع بدأت في مارس/آذار الماضي وحتى ديسمبر/كانون الأول 2022، لتتراوح اليوم بين 4.25% و4.5%، والتي ربما تكون قد نجحت في إبطاء معدل التضخم الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني، للشهر الخامس على التوالي، وفقا لبيانات بلومبرج، ما أثار تحفيز الأسواق بشأن تخفيف إجراءات رفع الفائدة.
وبالنظر إلى التاريخ فإن مكافحة التضخم قد تستغرق بضع سنوات، فعلى سبيل المثال تمكنت إيطاليا من خفض التضخم من 22% في عام 1980 إلى 4% في عام 1986.
وفي حال اتبعت معدلات التضخم العالمية التي تراوحت حول 9.8% في عام 2022 هذا المسار، فإن الأمر سيستغرق حتى عام 2025 على الأقل حتى وصول مستويات التضخم إلى 2%.
وتتصدر زيمبابوي ولبنان وفنزويلا قائمة دول العالم التي تشهد أعلى معدلات التضخم، وفقًا لبيانات "تريدنج إيكونومكس".
ورغم وصول معدل التضخم في فنزويلا حاليا إلى 156%، فإنه يعد منخفضا كثيرا مقارنة مع التضخم البالغ 300,000% خلال عام 2019.
هذا وتشهد أوكرانيا أحد أعلى معدلات التضخم في أوروبا بسبب الاضطرابات التي سببتها الحرب، إذ قفزت أسعار الوقود في يوليو/تموز بنسبة 90% على أساس سنوي.
تصاعد المخاوف من ركود عالمي.. وفقاعة ديون
فيما حذر صندوق النقد الدولي من فقاعة الديون العالمية الآخذة بالاتساع خلال العقد الماضي، على الرغم من تراجع إجمالي الدين من الناتج المحلي بعد جائحة كورونا.
وقال صندوق النقد الدولي إن توقعات النمو الاقتصادي الضعيفة على مستوى العالم، والسياسة النقدية الأكثر صرامة، تستدعيان الحذر في إدارة الديون العالمية.
إن الولايات المتحدة ليست وحدها من تغرق في الديون، بل العالم كله، خاصة مع الموجة التضخمية، وقفزات أسعار النفط والغاز، والحبوب، والسلع الأولية، والمواد الخام، وتعطل سلاسل الإمدادات، وعودة شبح وباء كورونا، واستمرار حرب أوكرانيا.
ووفق أحدث أرقام صادرة عن معهد التمويل الدولي في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022؛ فقد ارتفع إجمالي الديون العالمية لأكثر من 300.1 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2022، مقارنة بـ299.5 تريليون في الربع المماثل من العام السابق.
وبينما تمتلك الاقتصادات الكبرى القدرة والإمكانات على سداد الديون الخارجية المستحقة عليها خاصة مع ضخامة التدفقات النقدية من صادرات وسياحة واستثمارات وتحويلات، تبقى المشكلة لدى الدول النامية التي تعاني من شح في السيولة وأزمة عملة.
فيما أفاد البنك الدولي بأن التحدي الذي يواجه البلدان النامية، والتي يعمل معها عن كثب، هو خطر أن تكون فترات الركود هذه طويلة، نظراً إلى عدم وجود آلية في الوقت الحالي للعالم لتوفير رأس المال، أو للبلدان التي تعاني من الركود لكي تجذب رأس المال.
وأعلن ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن العالم يواجه "موجة خامسة من أزمة الديون"، قائلاً إنّ 44 مليار دولار من مدفوعات خدمة الديون الثنائية والخاصة أصبحت مستحقة في عام 2022 وحده.
وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في يوليو/تموز 2022، إنّ التوقعات للاقتصاد العالمي "أصبحت مظلمة بشكل كبير" منذ أبريل/نيسان، ولم تستبعد وقوع ركود عالمي محتمل العام المقبل في ضوء المخاطر المتزايدة.