يقولون: "التردد هو السجن الذي يبنيه الإنسان بنفسه، ويقضي فيه عمره وهو ينظر إلى الحياة من خلف القضبان".
كثيرون منا يترددون في اتخاذ قرارات قد تغيّر مجرى حياتهم وتنقلهم من حالٍ إلى حال. والتسويف هنا ليس مجرد تروٍّ أو تأني، بل هو في جوهره قتلٌ للطموح، وهروبٌ إلى الخلف من النجاح. فالتردد يمنع الإنسان من خوض التجارب، ويؤجل خطواته الأولى حتى تضيع منه الفرص دون رجعة.
ما دعاني لكتابة هذا المقال، هو لحظة شخصية ومهنية عشتها خلال مشاركتي الأخيرة في مؤتمر الاتصال الرقمي الذي نظمته كلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز، حيث سعدت بتقديم ورقة علمية ضمن البرنامج العلمي للمؤتمر.
لكن ما جعل قلمي يتوهج هنا، هو ذلك الشعور الأبوي الحاني الذي غمرني به علمان كبيران من أساتذتنا الأفاضل:
• الدكتور عوض الجميعي، رئيس قسم البلاغة السابق بجامعة أم القرى
• الدكتور مبارك الحازمي، أستاذ العلاقات العامة والإعلام الرقمي بكلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز.
لقد استهل الدكتور عوض الجميعي حديثه قبل مداخلته بقوله:
"أخص بالشكر الأستاذ حبيبي الغالي عبدالله الزهراني، الزميل العزيز الذي نعرفه منذ القِدم في مجال الإعلام والاتصال والكتابات النافعة".
كل كلمات المديح والثناء لم تهزّ شيئًا في مشاعري كما هزّني نداءه بـ: "أخي وحبيبي الغالي"، بكل ما فيها من دفء وحنان. شعرت حينها وكأن والدي – رحمه الله – كان حاضرًا معي في تلك القاعة.
وفي الجانب الآخر، قال الدكتور مبارك الحازمي أمام حضور علمي مرموق، ضمّ نخبة من الأكاديميين والباحثين من الجنسين، من بينهم الدكتورة ولاء باجنيد، والدكتور سالم عريجة، رئيس قسم الإعلام بجامعة أم القرى سابقًا:
|عبدالله صحفي متميّز وممارس للعمل الصحفي"، وذلك ضمن مداخلته التي أثْرت الجلسة بمضمون علمي رصين.
لم تكن تلك العبارات بالنسبة لي مجرد إشادة عابرة، بل كانت صورة صادقة من صور دعم أعضاء هيئة التدريس للباحثين والطلاب، ورسالة عملية عن أهمية المسؤولية المجتمعية التي يحملها الأكاديمي الحقيقي.
فالنُفوس الكبيرة تعرف كيف ترفع من حولها، وتُلهم أبناءها، انطلاقًا من خلفيات أكاديمية راسخة، وأبوة حانية قلّ أن تجد مثلها في مجتمعات أخرى.
عودًا على بدء… حين قررت المشاركة في المؤتمر، لم أكن أتخيّل هذا الحضور الفخم، ولا هذه اللحظات الملهمة. لم يكن في مخيلتي أن تستوقف ورقتي هذه القامات العلمية، خاصة في ظل الزخم الكبير الذي حفل به المؤتمر، والأسماء اللامعة المشاركة فيه من جهات متعددة.
لكنني اليوم، أجدني محظوظًا بكل ما نلته من مكاسب معرفية وإنسانية سأعتز بها ما حييت.
ختامًا:
لا تسمحوا للتردد أن يحرمكم من التجربة، ومن اللقاءات، ومن الحضور العلمي والمجتمعي وباقي المناسبات الأخرى.
فالتردد ليس حذرًا دائمًا، ولا حكمة في كل حال؛ بل هو تجمّد في منطقة الراحة، وخوف من التجربة، وإيثار السلامة على المبادرة.
ومن هنا، أجدد الشكر والامتنان للدكتور عوض الجميعي والدكتور مبارك الحازمي، ليس فقط على حضورهما الكريم ومداخلاتهما الثرية، بل على ما زرعاه في نفسي من دعم، وثقة، واحتواء.
لقد كانت كلماتهما أكبر من إشادة… كانت رسالة أكاديمية وإنسانية لا تُنسى، ودرسًا جديدًا في أن المشاركة تُثمر حين يكون حولك من يؤمن بك.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة