بشكل قاطع لا قبول لسياسة الأبواب الموارَبة في ما يتعلق بأخلاق المجتمع وتقاليده.. لذا تقع قضية الشذوذ الجنسي في مساحة رفض تام لدى مجتمعاتنا العربية.
هذا التمسك بقيمنا الاجتماعية الأصيلة لا يعني أبدًا انغلاقنا أو رجعيتنا، أو رفضنا لمفاهيم التطور والانفتاح والتعايش، لكن يبدو أن الآخر هو من لديه موقف مختلف.
الآخر الذي لا يملُّ -تحت داعي الحرية- من وضعنا تحت سيل من الرسائل، التي تهدد قيمنا المجتمعية والدينية، يبدو أنه لم يتحمل رسالة رفض لم تخرج في مضمونها عن نطاق الحرية والحق في التعبير في ممارسة قمعية باقتدار.
مناسبة هذا الكلام هو ما جرى مع المحامي الإماراتي حبيب الملا، عبر حسابه على تويتر، الذي يقول إنه "صفحة حرة تعكس ألوان الحياة المتعددة.. اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، ولكنه لم يكن يعلم أن الاختلاف في الرأي يفسد قضايا وينهي علاقة عمل، فبعد سلسلة تغريدات كتبها في "مساحته الحرة" تعبيرًا عن رأيه ودفاعًا عن قيم مجتمعه ورفض "الشذوذ الجنسي"، ارتدّت عليه الكرة بفسخ شركة "بيكر ماكنزي" العالمية شراكتها معه.
كتب حبيب الملا: "... التناقض واضح بين فكرة الشواذ القائمة على فرضية أن جسدي ملكي أفعل به ما أشاء وبين فكرة الإسلام في أن الجسد ملك لله، ولا يملك الإنسان إلا التصرف فيه وجه تعليماته سبحانه، وشتان بين من يعصي الله مُقرًّا بذنبه متسترًا في معصيته راجيًا عفوه وبين من يجاهر بالمعصية ويروج لها ويدعو إلى تقبلها".
والتأمل في أبعاد القضية أحالني لما سطره الدكتور عبد الوهاب المسيري، عالم الاجتماع المصري الراحل، في كتابه "قضية المرأة: بين التحرير والتمركز حول الأنثى":
"الدفاع الشرس عن الشذوذ الجنسي في جوهره ليس دعوة للتسامح أو لتفهُّم وضع الشواذ جنسيا (كما قد يتراءى للبعض لأول وهلة)، بل هو دعوة لتطبيع الشذوذ الجنسي... الأمر الذي يشكّل هجوما على طبيعة الإنسان الاجتماعية وعلى إنسانيتنا المشتركة كمرجعية نهائية وكمعيار ثابت يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام إنسانية ولتحديد ما هو إنساني وما هو غير إنساني، أي إنّ الشذوذ الجنسي لم يعد مجرد تعبير عن مزاج أو انحراف شخصي، إنّما تحوّل إلى أيديولوجية تهدف إلى إلغاء ثنائية إنسانية أساسية هي ثنائية الذكر/الأنثى، التي يستند إليها العمران الإنساني والمعيارية الإنسانية".
ورغم اختلاف الأطروحات بين ما دوّنه حبيب الملا وبين ما سطره قبل سنوات الأستاذ "المسيري"، يظل جوهر القضية واحدًا، وهو الخوف من أن يغزو مجتمعنا نموذج "إنسان عبارة عن وحدة بسيطة كمية، أحادية البُعد، غير اجتماعية وغير حضارية، لا علاقة لها بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعية تاريخية أو أخلاقية، هو مجموعة من الحاجات المادية البسيطة المجردة التي تحددها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعات اللذة والإباحية".
في أدبيات الغرب، كما فهمناها، الحُجّة تقارعها الحجة، والرأي بالرأي، لكن يبدو أن هذه القضية الشائكة استثناء، فلا تخضع لمبادئ الحرية، لكنها تكشف بوضوح ازدواجية معايير لا نملك أمامها إلا التمسك بموقفنا الرافض لفرض قيم غريبة عنا، وتجعلنا أكثر إصرارًا على التمسك بقيمنا وتعاليم ديننا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة