يتعرض الفرد للتأثيرات المتنوعة إيجابية كانت أم سلبية، ويعتمد مقدار تأثره بمدى وعيه وكمية الضخ الموجه إليه، وقد يعتقد بفكرة أو مبدأ.
يتعرض الفرد للتأثيرات المتنوعة إيجابية كانت أم سلبية، ويعتمد مقدار تأثره بمدى وعيه وكمية الضخ الموجه إليه، وقد يعتقد بفكرة أو مبدأ، معتمداً على مستمدات بيئية وثقافية تحيط به لا يعلم هو نفسه جذورها أحياناً، لكنه يؤمن بها تمام الإيمان، حتى إذا ما آنت لحظة المواجهة مع الفكرة مال إلى التمسك بها، وأمعن في الانحياز تجاهها مخافة خسارات محتملة، خصوصاً إذا كانت تلك الفكرة مغروسة لديه منذ الطفولة، ومرتبطة بمشاعر عاطفية ومكاسب مادية، ومن هذه الأفكار تلك التي تلعب على وتر العاطفة الدينية أو العرقية، لا سيما إن كانت الأوضاع سلبية في مرحلة ما لتُستغل في بناء منظومات توهم الفرد والجماعة وتبني عُقد "بارنويا".
طالما اُستخدِمت المظلومية كأداة سياسية وتغطية دعائية ومبرر في أطر دينية وسلطوية أدت ولا تزال إلى المشاحنات والمشاجرات وحتى الحروب الأهلية
يمكن أن يُصاب الفرد بعقدة الشعور بالاضطهاد البارنويا، لكن حين تصاب جماعة أو فئة أو شريحة من المجتمع، أو ربما شعب كامل فهنا تكمن الخطورة الاجتماعية والسياسية، حيث يخضع لضخ وعمليات غسل أدمغة، وغذاء ثقافي وعاطفي يومي متواصل من فوق كل المنابر حتى تترسّخ هذه العقدة "المظلومية".
المظلومية كلمة تشير إلى تلك التصورات التي تتبناها جماعة تعتقد أنها ظُلمت على أساس ديني أو طائفي أو عرقي، وحتى مناطقي لردح من الزمن من قبل فرد أو جماعة ما.
قد تبدأ فكرة المظلومية بالشعور بفقد حق ما، وبأن موازين القوى لا تخدم الشخص ليكتفي بالشعور بالاضطهاد الذي قد يتحول إلى عقدة دائمة، ينقلها إلى أبنائه الذين ينقلونها بدورهم إلى أبنائهم في دائرة صراع مغلقة تحقق معادلة المظلومية، وطالما اُستخدِمت المظلومية كأداة سياسية وتغطية دعائية ومبرر في أطر دينية وسلطوية أدت -ولا تزال- إلى المشاحنات والمشاجرات وحتى الحروب الأهلية.
بالعودة إلى جذور الاتكاء على المظلومية لا يمكن إغفال بارنويا أديان وطوائف، وحتى أحزاب سياسية استغلت الأحداث والوقائع لتخرجها من سياقها التاريخي وتضفي عليها وجهات نظر شخصية؛ باستغلال تعاطف العامة ومصالح الخاصة حتى أسست لمنظومات فكرية يصعب اختراقها لهول الوهم المُركّب فيها، عبر سنوات طويلة من التأسيس المرتبط بالأفراد منذ الطفولة ليصعب على الفرد إدراك وهم المظلومية قبل فوات الأوان.
قد يسأل سائل هنا، أين مكمن الضرر؟ إن الضرر يتمثل في كون المصاب بعقدة المظلومية -إذا استمر شعوره بالظلم- يعد هدفاً سياسياً بالضرورة لمن رسّخوا لديه هذه العقدة؛ ليتحول إلى سلاح يديرون به الصراع ويؤججونه على نحو يخلط فيه بين الماضي والحاضر، حيث غالباً ما لا يربط الفرد أو الجماعة الثأر بالظالم الحقيقي، فالثأر قد يؤخذ من أي فرد أو مجموعة، وفق مقتضيات الفعل السياسي وفي المرحلة المناسبة، وفي ذلك أمثلة لا حصر لها لجماعات استغلت المظلومية لتنتقم ممن لا حول له ولا قوة.
إن الفكرة الأساسية لا تتعلق بالمظلومية في حد ذاتها، ولكن في أثر استغلال فكرة المظلومية وتوظيفها في صراعات السلطة التي تحكمها متغيرات لا يمكن معها لعاقل الإيمان بصحة هذه "النظرية".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة