وحتى إن تم القضاء على شكل من أشكال الإرهاب فحتماً سيظهر بشكل آخر؛
حين قتل أسامة بن لادن في الثاني من مايو 2011 استبشر البعض بزوال تنظيم القاعدة ومن ثم نهاية الجماعات الإرهابية المسلحة العابرة للحدود، وبالفعل فقد كان لمقتله بالغ الأثر في قيادة الأمور باتجاه انحسار القاعدة ونفوذها وتأثيرها في العراق واليمن وشمال أفريقيا، لكن تبين عقب ذلك أن أفول القاعدة كان مقدمة لبزوغ تنظيم أكثر تطرفاً وعنفاً ووحشية.. "داعش".
عاث التنظيم لأكثر من أربعة أعوام فساداً، ليحتل مناطق من سوريا والعراق ولينفذ عمليات إرهابية في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة، حتى غدا التنظيم الأكثر رُعباً، بعد أن تعمد إبراز صورته الوحشية أمام العالم بتنفيذه عمليات قطع الرؤوس علناً.
لن يختفي الإرهاب الذي يمثله داعش والقاعدة بين ليلة وضحاها إن لم تختفِ أسباب ظهورهما، من التشدد الديني والأيديولوجيات العدائية والإشكاليات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمل وتسخير الدول للإرهاب لخدمة أهدافها .
في 2017.. أي في عامه الرابع أعلن عن نهاية التنظيم في العراق ليغيب عن وسائل الإعلام وتبدأ قصة نسيانه، وكأنه زال إلى غير رجعة، إلا أن سؤال "ماذا بعد؟" كان حاضراً بقوة.
تشظي داعش:
كثر الحديث عن الجهة التي أنتجت التنظيم، وكيف وصل داعش لما وصل إليه؟ وفي الواقع لا يمكن الجزم بأنه عمل ضمن مشروع استخباراتي أو جاء بالصدفة، لكن الأهم من ذلك الآن هو مآل التنظيم بعد الحرب الضارية التي شُنت عليه دولياً، حيث من المرجح أن يشهد العام الجاري تشظي التنظيم وليس نهايته، هذا التشظي يمكن أن ينتج تنظيمات أصغر حجماً وأكثر عنفاً دون سيطرة على مساحات واسعة من الأراضي في المناطق التي فرت إليها عناصر داعش الإرهابي.
مجموعات مسلحة -مثل الرايات البيض وخراسان والسفياني والمتطوعين، والتي بدأت في تكثيف حضورها الإعلامي بإصدار بيانات وتسجيلات على الإنترنت- هي مؤشر خطير على عودة تدريجية لنشاط الإرهابيين، وربما في وقت لاحق الانضواء تحت راية واحدة قد تكون هذه المرة تنظيم القاعدة في عملية تبادل أدوار منظمة.
من داعش إلى القاعدة:
مهّد أفول القاعدة في نهاية العقد الأول من القرن الجاري إلى وصول داعش، الذي استطاع السيطرة على أراض شاسعة من العراق وسوريا، ومن ثم فقد اجتاز مرحلة القاعدة في استهداف العدو البعيد بعمليات كر وفر وضرب المصالح الأمريكية هنا وهناك إلى مرحلة بناء التنظيم العالمي، ما تطلب تحالفاً عالمياً لإنهائه بشكله الحالي، لكن يبدو بأن مجريات الأحداث تتجه إلى تبادل أدوار محتملة بين التنظيمين، حيث من المتوقع عودة نشاط تنظيم القاعدة بعدة عمليات إرهابية تُحدِث دوياً إعلامياً تستهدفه التنظيمات الإرهابية على تنوعها، فالتنظيم يروج لمن وصفه بحامل اللواء حمزة بن لادن، الذي بعث نداءات للأجيال الجديدة من المتطرفين.
وقد جاء تهديد القاعدة لخطوط السكك الحديدية في أوروبا ليُبين بصورة أو بأخرى أن عقل القاعدة لم يغب طوال السنوات الماضية، بل ربما استغل القائمون على التنظيم قصة انشغال العالم في محاربة داعش للعمل من جديد بهدوء وتكتيك لبناء مصادره وتحالفاته لمواصلة حربه.
ختام القول.. إنه لن يختفي الإرهاب الذي يمثله داعش والقاعدة بين ليلة وضحاها إن لم تختفِ أسباب ظهورهما، من التشدد الديني والإيديولوجيات العدائية والإشكاليات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل وتسخير الدول للإرهاب لخدمة أهدافها.
وحتى إن تم القضاء على شكل من أشكال الإرهاب فحتماً سيظهر بشكل آخر؛ لأن العمل الإرهابي يمثل آخر مراحل التطرف، ومن ثم فإن المعركة الكبرى مع هذا التطرف طويلة، وإلى أن يتلاشى إلى الأبد يبقى السؤال مطروحاً.. من يصنع هذه الجماعات الإرهابية؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة