متحف بلا جدران.. صحراء أريزونا تحتضن ذاكرة القوات الجوية الأمريكية

في صحراء توسون الجافة بولاية أريزونا الأمريكية، حيث لا تحجب سحب الظهيرة أشعة الشمس الحارقة، يقبع مشهد مثير للدهشة: آلاف الطائرات العسكرية تصطف في نظام هندسي دقيق عبر مساحة شاسعة تبلغ 27 كيلومتراً مربعاً.
هنا في قاعدة ديفيس-مونثان الجوية، تقبع أكبر "مقبرة طائرات" في العالم، تضم حوالي 4500 طائرة من مختلف الأنواع والعصور، تشكل في مجموعها أرشيفاً حياً للتاريخ العسكري الأمريكي، بحسب صحيفة "إكسبريس" البريطانية.
لا تقتصر مقتنيات هذه المقبرة على طائرات سلاح الجو الأمريكي فحسب، بل تمتد لتشكل مجموعة شاملة من الطائرات التابعة للجيش والبحرية ومشاة البحرية وخفر السواحل، بالإضافة إلى مركبات فضائية تابعة لناسا.
هذا التنوع الفريد يجعل من الموقع متحفاً مفتوحاً يوثق تطور الصناعة العسكرية الأمريكية عبر عقود من الزمن، حيث تتراص طائرات الحرب العالمية الثانية بجانب طائرات حقبة الحرب الباردة وطائرات شاركت في حروب حديثة.
أسرار البقاء في صحراء أريزونا
السر وراء اختيار توسون لهذه المهمة لا يكمن في موقعها العسكري فحسب، بل في طبيعتها المناخية الفريدة؛ فالمدينة تقع في قلب صحراء جافة لا تعرف الرطوبة، ولا تهطل عليها سوى 28 سنتيمترا من الأمطار سنوياً.
هذه الظروف جعلت منها بيئة مثالية لتخزين الطائرات لفترات طويلة، حيث يحافظ الجفاف وندرة الأمطار على هياكل الطائرات من التآكل والصدأ، في مقابل ما قد تتعرض له في أماكن أكثر رطوبة.
رحلة عبر الزمن
تعود قصة هذه المقبرة إلى سبتمبر/أيلول 1945، عندما وجد سلاح الجو الأمريكي نفسه أمام فائض ضخم من الطائرات الحربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان.
واختيرت قاعدة ديفيس-مونثان التي كانت تستخدم سابقاً كمنشأة تدريب لطياري القاذفات، نظراً لمساحتها الشاسعة وموقعها الجغرافي المناسب.
وبحلول ربيع 1946، استقبلت القاعدة أكثر من 600 طائرة من طراز بوينغ بي-29 سوبرفورتريس، بالإضافة إلى 200 طائرة "سي-47 سكاي ترين".
التطور والنمو المستمر
شهدت المقبرة توسعاً كبيراً في عام 1965 عندما قررت وزارة الدفاع الأمريكية إغلاق منشأة تخزين طائرات البحرية في فينكس، لتصبح ديفيس-مونثان المستودع النهائي والرئيسي لكافة الطائرات العسكرية الفائضة.
واليوم، تدار هذه المنشأة الضخمة من قبل فريق متخصص من الخبراء والفنيين الذين يجرون عمليات الصيانة الدورية والحفظ الاستراتيجي للطائرات، حيث يمكن لبعض هذه الطائرات العودة إلى الخدمة إذا تطلبت الظروف ذلك.
وتمثل هذه المقبرة اليوم أكثر من مجرد موقع تخزين، فهي شاهد حي على تطور القوة الجوية الأمريكية وتقنياتها عبر الأجيال.
كما يشعر الزائر للموقع وكأنه يعبر بوابة الزمن، حيث تحكي كل طائرة قصة مختلفة عن مرحلة تاريخية مهمة، من معارك الحرب العالمية الثانية إلى سباق التسلح في الحرب الباردة، وصولاً إلى الصراعات الحديثة. ورغم أن هذه الطائرات لم تعد قادرة على التحليق، إلا أنها تظل تحمل في طياتها ذاكرة حية لتاريخ الطيران العسكري الأمريكي، ودراسة حالة فريدة لفن الحفظ والصيانة الاستراتيجية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg جزيرة ام اند امز