الشتائم في السياسة الأمريكية.. ترامب ليس الوحيد
ترامب ليس الشخص الوحيد في التاريخ السياسي الأمريكي الذي يستخدم ألفاظا غريبة، لكن معظم أسلافه حاولوا إبقاءه خلف الأبواب المغلقة.
فالسب والشتم الذي كان يُعتبر ذات يوم من المحظورات الكبرى بين أولئك الذين يسعون إلى تولي مناصب عامة، لم يكن مشكلة سياسية كبيرة لدى آخرين.
فقد استخدم رؤساء وسياسيون آخرون -وإن كان بطريقة أكثر لطفا عموما- ألفاظا قوية، لدرجة أن بعض المراقبين وصفوا هذا الاتجاه بأنه علامة على تحول ثقافي مؤيد للألفاظ البذيئة، وفقا لما طالعته "العين الإخبارية" في أكثر من وسيلة إعلامية أمريكية، بينها صحيفة تايمز.
تاريخ حافل بالشتائم
توثق التسجيلات السرية للبيت الأبيض أثناء إدارتي الرئيسين الرحلين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ألفاظا نابية رئاسية واسعة النطاق، وفق مع طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "لوس أنجلوس تايم".
وذكرت مجلة تايم الأمريكية "يقول أولئك الذين سمعوا نيكسون يتحدث في الأماكن الخاصة إن الكلمات البذيئة التي يستخدمها عادة فاحشة، وتشمل ألفاظا بذيئة مكونة من أربعة أحرف".
ولكن ما كانت هذه الكلمات بالضبط كان متروكا للمواطنين لتخمينه، ورغم ذلك فإن ما تصوروه كان سيئا بما يكفي ليجعل الكثيرين يعتبرون مفردات نيكسون دليلا آخر على أن الرئيس نفسه لم يكن لائقا، وفق الصحيفة.
ويُقال إن الرئيس الأمريكي الراحل أندرو جاكسون كان يشتم كثيرا لدرجة أن ببغاءه الأليف بدأ يقلده، ولهذا كان لا بد من إزاحته من جنازته.
وفي أغلب الأحيان كانت ألفاظ السياسيين البذيئة إما عابرة وإما مخفية خلف الأبواب المغلقة، حتى وقت قريب.
وعلى مدى السنوات العديدة الماضية شهدت السياسة الأمريكية ارتفاعا كبيرا في ألفاظ السياسيين البذيئة علنا.
أوباما وبايدن وآخرون
الرئيس الأسبق باراك أوباما كان قد وصف في ذات مرة مغني الراب كاني ويست بأنه "أحمق" لمقاطعته خطاب تايلور سويفت في حفل توزيع جوائز MTV Video Music Awards، في عام 2009.
وكذلك الرئيس الحالي جو بايدن، الذي خدعه الميكروفون المفتوح بينما كان يصف مراسل قناة فوكس نيوز بيتر دوسي بأنه "ابن غبي لـ----" خلال حدث في عام 2022، قبل أن يتصل بالصحفي لاحقا ويعتذر منه.
وخلال حدث انتخابي في عام 2000، سُمع الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش يتحدث عبر ميكروفون مباشر مع زميله في الترشح ديك تشيني، واصفا مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الذي لم يكن يحبه بشكل خاص بأنه "أحمق كبير".
ولا أحد ينسى ديك تشيني، نائب الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، عندما أطلق شتيمته الشهيرة على السيناتور باتريك ليهي، وقد تصدرت تلك الحادثة عناوين الصحف.
وكان ليهي قد انتقد علاقات تشيني بـ"هاليبرتون"، وهي شركة خدمات نفطية فازت بعقود مربحة تتعلق بحرب العراق.
وبعد أن اقترب ليهي من تشيني في قاعة مجلس الشيوخ في ذلك اليوم، انتهى تبادل الحديث بينهما بقول نائب الرئيس له "اذهب إلى الجحيم".
ترامب يتفوق
وكمرشح مرتين للرئاسة (2016 فاز بها- و2024) كانت خطب ترامب مليئة بالشتائم المكونة من أربعة أحرف، على غرار "لعنة" لخصومه.
ففي التجمعات والمقابلات، وعلى إكس (تويتر سابقا) وفي الخطب الرسمية، يستمتع ترامب بلغته الهجومية.
وأجمع خبراء تحدثوا لموقع "أمريكا اليوم" أن شخصا واحدا جعل الألفاظ النابية سائدة، وهو "الرئيس السابق دونالد ترامب".
فالمرشح الجمهوري لانتخابات البيت الأبيض تفوق على غيره في هذا الأمر، حيث استخدم بشكل روتيني لغة "بذيئة" منذ إطلاق حملته الرئاسية لعام 2016 وحتى اليوم، وغيّر بعدة طرق المعايير التقليدية للحوار السياسي.
ففي عام 2014 تعقبت "GovPredict"، شركة تحليلات، 83 حالة من استخدام المشرعين كلمات بذيئة.
لكن على مدار العامين التاليين ارتفع الاستخدام ببطء، إلى أن جاء عام 2017 الذي تولى فيه ترامب منصبه، لينفجر الاستخدام، حيث بلغ 1571 حالة.
وقد تعقبت الشركة 10 كلمات تتراوح مستوياتها من الإساءة من "هراء" إلى الكلمات التي لا تصلح للنشر في صحيفة عائلية.
وكانت كلمة "اللعنة" أو أحد أشكالها هي الألفاظ البذيئة الأكثر استخداما، وشهدت أكبر ارتفاع لها بعد أن استخدم ترامب عبارة "الدول القذرة" لوصف هايتي ودول أخرى في أفريقيا.
وفي التجمعات والخطب الرسمية كان غالبا ما يرمي بكلمات مثل "الجحيم" و"اللعنة" و"القرف".
"أود أن أقول إن الشتائم جزء من جاذبية ترامب"، هكذا تقول ميليسا موهر، مؤلفة كتاب "تاريخ موجز للشتائم"، الذي نُشر في عام 2013.
واعتبرت موهر "في حالته، غالبا ما تكون العاطفة غضبا قويا، ويبدو أن أنصاره يحبونه".
لكن قد يعتبرها التقليديون مثالا سيئا للأطفال، هكذا ترى مارثا جوينت كومار، وهي باحثة قديمة في مجال الاتصالات الرئاسية، في حديثها لصحيفة "نيويورك تايمز".
وبحسب الصحيفة، لم يتجاوز أي رئيس حدود اللغة إلى الحد الذي وصل إليه ترامب.
لغة جاذبة أم فتنة؟
تقول ستيفاني جريشام، التي عملت في الحملة الرئاسية الأولى لترامب وأصبحت فيما بعد سكرتيرته الصحفية في البيت الأبيض، إن بعض لغته جذبت الناس لأنهم شعروا أنه يتحدث مثلهم.
بيْد أن لغة ترامب هذه -كما تشير جريشام- أصبحت أكثر إثارة للفتنة بمرور الوقت، حيث انتقلت من الألفاظ البذيئة إلى تصريحات مثل أن المهاجرين "يسممون دماء البلاد".
ويرجح خبراء أن يكون قد أثّر على المشرعين في الكونغرس لاستخدام هذا الخطاب أيضا.
ألفاظ نابية بالأرقام
ووجد تحليل أجرته Quorum -منصة برمجيات للشؤون العامة- أن عدد الشتائم التي ألقاها المشرعون في الكونغرس على منصة "إكس" بما في ذلك إعادة التغريد قد ارتفع من 0 في عام 2015 إلى 205 في عام 2023.
تم استخدام كلمة "الجحيم" 79 مرة على "إكس" من قبل المشرعين في عام 2015، وزاد ذلك إلى 1095 في 2023.
"على الرغم من أن المشرعين كانوا دائما يشتمون في السر، فإنه كان هناك مستوى معين من اللياقة كان من المتوقع منهم أن يحافظوا عليه في الأماكن العامة، خاصة خلال القرن العشرين عندما بدأ يُنظر إلى السياسة على أنها مهنة"، كما تقول المؤرخة ليندسي تشيرفينسكي.
ويشير كيليمز، مساعد سابق لعضو مجلس الشيوخ عن ولاية إنديانا ريتشارد لوغار من عام 1988 إلى عام 1996، إلى أنه لا يتذكر "مصطلحا واحدا مسيئا إلى حد ما" استخدمه المشرع في ذلك الوقت.
ومع ذلك، فقد اتخذ هذا منعطفا مع تزايد الاستقطاب السياسي في البلاد في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وسط الحروب العالمية وقضايا أخرى، كما يقول الخبراء.
وكان هناك أيضا قبول ثقافي متزايد للألفاظ البذيئة واللغة العامية، حيث بدأ المزيد من الأمريكيين في تجربة اللغة المبهرة.
وفي هذا الصدد، يقول مايكل آدامز أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة إنديانا بلومنجتون "هذا لا يعني أن السياسيين بدأوا في الشتائم علنا أمام الناخبين، لكن هذا هو نوع الخلفية التي يمكنك من خلالها رؤية كيف أصبحت الأمور أكثر مرونة بما فيه الكفاية".
ماذا تعني الشتائم للانتخابات القادمة؟
مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، يتوقع مارك سميث، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدارفيل، أن نرى زيادة في "الهجمات والتهديدات واللغة الحادة".
في الشهر الماضي فقط ورد أن بايدن وصف ترامب بأنه "مريض" خلف الأبواب المغلقة، وهي التعليقات التي جمع المرشح الجمهوري الأموال بسرعة من ورائها.
وفي تجمع حاشد في ولاية جورجيا، قال ترامب إن كل ما يلمسه بايدن "يتحول إلى هراء".
وأضاف سميث أن خروج المشرعين المخضرمين، خاصة في الكونغرس، يعني على الأرجح أن أولئك الذين يحلون محلهم سيكونون أكثر عرضة للانخراط في هذا النوع من السلوك.
aXA6IDMuMTQ3LjYuMTc2IA== جزيرة ام اند امز