خبراء دوليون: حوار دول المنطقة يخفف التوتر.. والخليج منطقة مركزية
أكد خبراء دوليون أن السلام والاستقرار بالشرق الأوسط يتطلب تعاونا أكبر بين الولايات المتحدة والخليج لمواجهة التهديدات المشتركة.
خارطة الطريق التي تحدث عنها الخبراء الدوليون جاء خلال ندوة عقدها مركزا تريندز والشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا حول "الشرق الأوسط المتغير: التداعيات الدولية وآفاق الاستقرار الإقليمي".
وطالب الخبراء المشاركون في الندوة بتعاون أكبر بين الدول والقوى العالمية، وخاصة الولايلات المتحدة، لضمان تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، داعين واشنطن والخليج إلى "ردم الفجوات بينهما" بما يحقق الأمن والاستقرار.
وشدد الخبراء على أهمية إعادة ترتيب أولويات السياسات المحليَّة؛ لأنها هي التي تحدد مستقبل الاستقرار الإقليمي، مع أهمية الحوار بين دول المنطقة لتخفيف التوتر.
وأوضحوا أن كلا من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في حاجة متبادلة، لافتين إلى أن منطقة الخليج تبقى مركزية لاستقرار الاقتصاد العالمي ولمصالح واشنطن في الشرق الأوسط وخارجه.
توازنات دولية جديدة
الباحثة رهف الخزرجي، نائبة رئيس قسم النشر العلمي بمركز "تريندز"، لفتت الانتباه إلى ما يواجه منطقة الشرق الأوسط من تحديات لها انعكاساتها على الاستقرار الإقليمي وتوازن القوى، مبينة أن عناصر عدة تؤثر في هذه التحديات، حيث يتغير الشرق الأوسط بسبب المتغيرات المنبثقة عن النظامين الدولي والإقليمي.
فيما اعتبر الدكتور شون يوم، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة تمبل الأمريكية، أن الانسحاب التدريجي الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط أثار قلق العديد من الأطراف، مبينًا أن الحديث عن حقبة ما بعد أمريكا سابق لأوانه.
وأشار إلى أن أكبر خطر على الاستقرار الإقليمي اليوم لا ينبع من أي انتقال وشيك للقوى العظمى، بل من عدم اليقين بشأن الشكل الذي قد يبدو عليه النظام الإقليمي.
أما الدكتور كينيث كاتزمان، المحلل الأول المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في الكونغرس الأمريكي، فقد أوضح أنه لا يمكن أن تنعم منطقة الخليج بالأمن طالما أن إيران تواصل السير على مسارها الراهن.
ورأى أن الهدف من رغبة واشنطن في العودة إلى الاتفاق النووي هو ضمان عدم امتلاك إيران قدرات نووية، موضحًا أنه إذا تم التوصل إلى "صفقة نووية"، فربما تكون هناك فرصة لإجراء بعض المحادثات الجوهرية مع طهران لحل باقي الملفات التي لا تزال تؤجج الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران.
كما سلط كاتزمان الضوء على نشاط إيران في المنطقة، مبينًا استمرارها في تطوير أسلحتها وتمويل الحركات المتشددة في دول مختلفة في المنطقة. وطالب بالحوار بين دول المنطقة لتخفيف التوتر.
أمريكا والخليج
وخلال الجلسة الثانية، نبه عوض البريكي، رئيس قطاع تريندز العالمي، إلى أن العلاقة بين الولايات المتحدة والخليج تمر بوقت حرج، مبينا أن العلاقات القوية المبنية على المصالح المشتركة تخدم الجانبين.
بدورها، قالت مارسيل وهبة، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، إن منطقة الخليج تبقى مركزية لاستقرار الاقتصاد العالمي ومصالح واشنطن في الشرق الأوسط وخارجه.
وهبة أشارت كذلك إلى أن هناك خطوات عملية اتخذها كلا الجانبين في الآونة الأخيرة لإعادة بناء المزيد من الشراكات التعاونية وتعزيزها، مستشهدة بقول الرئيس الأمريكي جو بايدن لدى زيارته الأخيرة للمنطقة بأن بلاده ستبقى شريكا نشطا في الشرق الأوسط، وتعهده بالقول: "لن ننسحب ونترك فراغاً".
وتطرقت الدبلوماسية الأمريكية إلى انزعاج واشنطن من النفوذ الصيني بالمنطقة وكذلك الروسي، موضحة أن إدارة بايدن عازمة على إحياء القيادة الأمريكية في الخليج لإبطاء التعاون المتزايد للمنطقة مع بكين، في الوقت الذي تعمل فيه على تشجيع حلفاء الولايات المتحدة على دعم احتواء طهران.
وأكدت أن إعادة ترتيب أولويات المنطقة تتطلب مشاركة دبلوماسية مكثفة ومتواصلة من جانب واشنطن لإظهار التزامها طويل الأمد بالبقاء القوة العالمية الأساسية في المنطقة.
وقالت إن المبادرات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لتأمين ضمانات دفاعية متبادلة مع الحلفاء الرئيسيين، مثل المناقشات الراهنة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، من شأنها أن تشير إلى جدية التزام واشنطن بأمن المنطقة.
من جانبها، لخصت الدكتورة فرح جان، المحاضرة الأولى في برنامج العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا، العلاقات الأمريكية الإماراتية بحديث سفير دولة الإمارات في واشنطن عن أنها "تمر بأيام طيبة وأيام سيئة كما هو معتاد في أي علاقة".
وتطرقت إلى ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة لمواجهة التأثير المتزايد لروسيا والصين في المنطقة، موضحة أن صناع السياسة الأمريكية يجب أن يظهروا التزامهم تجاه حلفائهم.
الشرق الأوسط الجديد
ومع بداية الجلسلة الثالثة، قالت اليازية الحوسني، نائبة رئيسة قطاع الإعلام بمركز "تريندز"، إن الشرق الأوسط الجديد يتميز بالعديد من العوامل المهمة، أبرزها العلاقات الدبلوماسية الثقافية والعلاقات والعامة، ودور الشباب، والتنمية الاقتصادية والتكامل، والترابط الأمني.
الحوسني شددت على أهمية الدبلوماسية الثقافية، حيث يمكن من خلالها المساعدة على سد الفجوات وبناء شرق أوسط جديد بروح وهوية جديدتين.
فيما ذكر الدكتور بول سالم، الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، أن هناك العديد من العوامل التي يجب أن نأخذها في الاعتبار عند السعي إلى فهم "الشرق الأوسط الجديد".
وقال: إن "العديد من الدول اتخذت خطوات ملموسة في بناء ذاتها، وإعادة ترتيب علاقاتها مع القوى العالمية مثل الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، نرى إمكانية تشكيل تحالفات جديدة بين الجهات الفاعلة الإقليمية برغم استمرار التهديدات".
ومضى في حديثه بالتأكيد على أن الشرق الأوسط الجديد يجلب معه أيضًا فرصا رئيسية، ويجب أن تستفيد المنطقة من القوة العاملة المتنامية ورأس المال لخلق نماذج مستدامة للنمو الاجتماعي والاقتصادي طويل الأجل.
ونوه إلى أنه مع تغير النظام العالمي، تظل المنطقة مركزية جغرافيا لطرق التجارة العالمية وأسواق الطاقة، وتحتاج إلى مزيد من نبذ الصراعات والعمل بشكل متكامل، والاعتماد على مواردها البشرية والمالية لبناء مستقبل شامل ومستدام.
وبدوره، قال الدكتور إيان لوستيك، أستاذ فخري كرسي بيس و. هيمان في قسم العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، إن منطقة الشرق الأوسط تشهد فترة استقرار، وتحظى باهتمام كبير من الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمى.
وشدد على أن شعارات دمقرطة المنطقة في سنوات ما سُمي بـ"الربيع العربي" أثرت في الوجود الأمريكي أكثر مما كانت تعتقد القيادة السياسية في واشنطن أنها ستكون قضية سياسية رابحة لجيل كامل.
وقال الدكتور إيان لوستيك إنه لا يوجد سبب سياسي داخلي يجعل الولايات المتحدة منخرطة بعمق في الشرق الأوسط، بل في الواقع لديها مصالح أمنية حيوية، مبينًا أن أي قوة عظمى مثل الولايات المتحدة ستولي اهتمامًا كبيرًا للمنطقة في حالتين هما الأمن القومي عند التعرض للتهديد، وتقاطع السياسات الداخلية.
وفي ختام الندوة، أكد الدكتور إبراهيم بكري، مساعد مدير مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا أن الشرق الأوسط يسعى إلى إعادة تشكيل نفسه وإعادة تأكيد هويته، موضحا أن ما وصلَ إليه المشاركون في الندوة يبرهن أهمية الحوار والمبادرات من أجل شرق أوسط جديد وآمن.
بكري ثمن جهود باحثات وباحثي مركز "تريندز" في تنظيم هذه الندوة في بداية التعاون مع مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا، مشيدا بجهود المركز المستمرة لرعاية الباحثين الشباب الصاعدين ودعمهم.
ومركز تريندز للبحوث والاستشارات هو مؤسسة بحثية مستقلة، تأسست عام 2014 في إمارة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويهتم باستشراف المستقبل من خلال العديد من البرامج البحثية المتخصصة.
وتمكن "تريندز" من بناء شبكة علاقات وشراكات قوية مع مختلف المراكز البحثية العالمية والمنظمات والهيئات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والاستفادة من الخبرات البحثية والأكاديمية الدولية بما يعزز دوره العلمي والبحثي على المستويين الإقليمي والعالمي، وذلك من خلال تنظيم الفعاليات العلمية المختلفة من محاضرات، ومؤتمرات، وندوات، وحلقات نقاشية تثري تبادل التجارب والخبرات البحثية، وإنتاج الإصدارات المتنوعة التي تغطي مختلف مجالات المعرفة الإنسانية التي تدخل في حيز اهتمامه.