ما نشاهده من ضرورة استمرار الملاحة البحرية يتطلب مواقف مسؤولة ورؤية واضحة وتنسيق دولي حقيقي تراعى فيه مصالح الجميع.
تتداخل المشروعات الدولية ما بين روسية وأمريكية وبريطانية وأممية لأمن الخليج العربي بعد التهديدات الإيرانية الراهنة في الخليج العربي ومضيق هرمز، وخليج عمان والبحر الأحمر، وهو ما يتطلب مراجعة للإجراءات الأمنية والاستراتيجية المطروحة في هذه الممرات، وضرورة تبني إجراءات جديدة لمواجهة ما يخطط راهنا من قبل الجانب الإيراني لضرب الاستقرار البحري في الممرات التي تعد ممرات دولية، فلا يمكن اتخاذ أو تبني إجراءات معوقة للأمن والاستقرار في الدول العربية التي تطل على هذه الممرات.
ولكن ومع تزايد المخاطر الإيرانية بدأت الدول الكبرى في الحديث عن البدائل والسيناريوهات المطروحة لتأمين الملاحة البحرية، وضمان أمن وسلامة الناقلات الدولية بصرف النظر عن انتمائها لدولة معينة، ومن ثم فإن التدخل الدولي بات أمرا مطلوبا ومهما، وأولوية لمواجهة المد الإيراني الذي بدأ يأخذ منعطفات جديدة في إطار مهام أخرى سيعمل عليها وسيخطط في تنفيذها، وبالتالي تتالت مشروعات ومقترحات الأمن تباعا من بريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة.
بالتالي ستظل مصالحنا العربية وضمان أمن الملاحة الدولية الأساس في أي مواجهة دولية إيرانية مع الجانب الإيراني، والمستهدف من أي قبول بالمقترحات الدولية سواء كانت في شكل مشروعات أو مخططات أمنية.
كانت الولايات المتحدة صاحبة المبادرة الأولى في طرح ما عرف بأفكار الناتو العربي منذ عدة أشهر، وتمت لقاءات وصياغات متعددة في هذا السياق، والتي ربطت دول مجلس التعاون ومصر والأردن والولايات المتحدة في إطار مقترحات عامة تركز على تشكيل تحالف ناتو على غرار الناتو الغربي مع وضع أولويات ومهام لهذا الناتو تشارك فيه الدول المعنية، على أن يمتد لاحقا لتوسيع نطاقه وعقدت عدة لقاءات أمنية.
على الرغم من مرور فترة بعد طرح هذه الفكرة، إلا أنها ظلت ساكنة في مكانها مع التأكيد على أن الإدارة الأمريكية ما تزال تسعى لتحالف مشابه، وتوسيع نطاق الناتو العربي الذي سبق وأن طرحته وتحفظت عليه بعض الدول المعنية برغم مشاركتها الأولية في بعض اجتماعاته، وبات يعرف بالتحالف الإقليمي. وفي تقدير الأوساط الاستراتيجية الأمريكية أن تشكيل تحالف دولي لمواجهة التهديدات الإقليمية سيحتاج إلى تكاتف القوى الدولية والعربية من أجل صياغة خريطة التهديدات والمخاطر والبناء عليها على أن يكون الخطر الرئيسي إيران، والمفترض أن التحالف سيضعه على رأس الأولويات المستهدفة .
والواقع أن أمام الرئيس الأمريكي مسارين؛ إما تطوير الأفكار التي سبق وأن طرحت منذ عدة أشهر مع البدء جديا في تنفيذها والأخذ في الاعتبار التحفظات المطروحة من بعض الأطراف العربية، وعلى أن يكون هذا التحالف الدولي أوسع وأشمل من تحالف ناتو، وإما البديل الثاني وهو الشروع قدما في وضع منظومة التحالف والبدء في تطبيقها خاصة وأن الإدارة الأمريكية تحددت عن خطة محددة ومباشرة وضعها خبراء البنتاجون بمشاركة عناصر خبيرة في الاستخبارات المركزية، والمتخصصة في أمن الخليج، ومنهم شخصيات متخصصة في أمن الإقليم بأكمله، ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية لديها بالتأكيد المبررات العاجلة لطرح خطتها الأمنية ليس في مضيق هرمز بل في تأمين أمن الملاحة البحرية في المنطقة بأكملها، وعلي اعتبار أنها اختارت عدم الذهاب إلى حرب أو مواجهة مع إيران، والاكتفاء بالخطة البديلة مع التوقع بأن هذه الخطة قد تدخلها دول أخرى منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا بل وأيضا روسيا إذا تم التنسيق الأمريكي الروسي -مع التحفظ على ما تريده كل دولة على حدة– لكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى إطالة فترة التنفيذ التي قد تصل إلى عدة أشهر وتمتد للعام القادم، وهو عام البدء في الانتخابات الأمريكية، مما سيعطي للجانب الإيراني فرصته في استمرار حالة المراوغة السياسية والاستراتيجية، والاستفادة من طول الإجراءات والتدابير الأمنية والاستراتيجية التي ستقدم عليها الدول الكبرى بالتشارك مع الولايات المتحدة.
وبالنسبة لبريطانيا فهي تقف بطرحها السياسي والأمني بصورة كبيرة مع التركيز على خطة بحرية للملاحة في خليج هرمز والخليج العربي، وتدرك السياسة البريطانية أن خطتها الأمنية المقترحة لن يكتب لها النجاح بدون تنسيق أمريكي لوجستي واستخباراتي، ومن المحتمل أن تقدم الإدارة الأمريكية على التنسيق مع بريطانيا بدمج الخطتين في مخطط واحد، مما يعني أن الجانبين تراضيا على التعامل على نفس المخطط والهدف مع الحفاظ على خصوصية الهدف.
وفي حال دخول الأطراف الأوروبية الأخرى فقد يتسع المخطط ليشمل دول أخري عربية ودولية، أي سنكون أمام تحالف أشمل.. ومن الطبيعي أن يثار تساؤلا ماذا إذا عن موقف هذه الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وألمانيا التي ما تزال ترتبط مع الجانب الإيراني بالاتفاق النووي، وفي حال الانضواء في اتفاق أشمل سواء على أرضية بريطانية أو أمريكية فإن الاتفاق النووي سيكون قد انتهى واقعيا ولم يعد له وجود، وهو ما قد تخشاه دول الترويكا الثلاثة خاصة وأن ألمانيا تحديدا سيكون لها دور حاسم بالتنسيق مع الجانبين الفرنسي والبريطاني، وقد يتباين الموقف الأوروبي مع المسار الأمريكي الذي يسعى لتفعيل دورها الدولي وقيادة أي مخطط أو تحالف دولي في مواجهة إيران، ولن تترك الأمر لحليفتها بريطانيا بدورها التاريخي في المنطقة، وستظهر خلافات عدة وإشكاليات عند التنفيذ والتي قد تستثمرها إيران وتعمل عليها بصورة كبيرة.
ومع دخول الجانب الروسي بطرح مبادرة أشمل لجعل منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل، والحديث عن مهام ومسؤوليات أمنية محددة، وإجراءات شاملة لتأمين الملاحة الدولية يكون للجانب الروسي هدفه الاستراتيجي الأشمل في تسجيل موقف الحضور باعتباره الطرف الأقوى كدولة عظمى، وكدولة تربطها بإيران علاقات ممتدة وتحالف ليس في سوريا، وإنما في مناطق أخرى، مما يؤكد على أن الجانب الروسي سيتحرك باعتباره طرفا أصيلا في الإقليم وكجزء من مساومات سياسية واستراتيجية، وأملا في الدخول في لعبة التوازنات الدولية، والمقايضات العالمية على ملفات أخرى منها ملف أمن الخليج العربي والتهديدات الإيرانية والمسالة السورية وأوكرانيا، ومراجعة منظومة العقوبات.
ومن ثم فإن الجانب الروسي سيناور وفقا لحسابات سياسية واستراتيجية متعددة، وعلي أرضية مصالحه التي يسعى للوصول إليها، وبالتالي فإن ما سيجري من كل الأطراف الراهنة الأمريكية والروسية والبريطانية والمجموعة الأوروبية في نطاقها التنظيمي سيطرح رؤية مقابلة من المفترض صياغتها عربيا بالأساس في نطاق أي مشروع خارجي من أي طرف دولي، وفي حال وافقنا كدول عربية على المضي قدما في أي تحالف أو شراكة سياسية واستراتيجية سواء مع الولايات المتحدة أو بريطانيا بل وحتي روسيا، سيكون تحالفا يقر بمبدأ المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة، بما في ذلك التحرك العربي أمريكيا أو روسيا للحصول على وسائل الردع المتقدم للخطر الإيراني ومواجهته، والعمل على تهميش الحضور الإيراني في كافة الدول العربية، وبما يؤكد على أن الجانب العربي قادر على ردع إيران، وإفشال مخططها الأيديولوجي والاستراتيجي الذي يسعى لتهديد أمن وسلامة الممرات العربية.
في كل الأحوال وبصرف النظر عن مضمون المشروعات الأمنية المطروحة وتفاصيلها فإن ثمة متطلبات عربية ضرورية في التعامل معها واختيار ما يناسبنا في ظل تطورات إقليمية ودولية معقدة، وفي ظل بيئة وأجواء متداخلة ما بين الخطر الإيراني الحقيقي وتهديد أمن المنطقة بأكملها، وبالتالي فإن المسالة ليست ترجيح خيار الناتو العربي الأمريكي أو القبول مع بعض التحفظات بالمشروع البريطاني المركز بالأساس على الملاحة البحرية، حيث تتسع دوائر التشابك والتقاطع بين كافة الأطراف الدولية.
وبالتالي ما نشاهده من ضرورة استمرار الملاحة البحرية يتطلب مواقف مسؤولة ورؤية واضحة وتنسيق دولي حقيقي تراعى فيه مصالح الجميع وحسابات الأطراف المختلفة، وعلى رأسها مصالحنا العربية مع التأكيد على أن الولايات المتحدة لديها خياراتها وسيناريوهاتها الحقيقية، بصرف النظر عن النظرة المصلحية والحسابات الاقتصادية لإدارة لا تنظر لأمن الخليج العربي فقط من هذا المنظور، بل مع أخلص حلفائها في الناتو وخارجه، وفي مناطق أخري من العالم، وبالتالي ستظل مصالحنا العربية، وضمان أمن الملاحة الدولية الأساس في أي مواجهة دولية إيرانية مع الجانب الإيراني، والمستهدف من أي قبول بالمقترحات الدولية سواء كانت في شكل مشروعات أو مخططات أمنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة