بتحجيم"الإخوان" تمكن الرئيس الراحل قايد السبسي من استعادة تونس من منزلق الانهيار وأوصلها إلى بر الأمان وإلى مرحلة الاستقرار والازدهار.
تعتبر وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، لحظة فارقة في تاريخ الأمة التونسية.. الباجي قايد السبسي يعد أحد المخضرمين السياسيين في تونس، وأحد رجال مدرسة الحبيب بورقيبة، الذي يؤمن بأهمية الدولة، وأهمية الحفاظ على هيبتها.. لقد استطاع خلال فترة قصيرة الحفاظ على ديمقراطية تونس والحفاظ عليها من الانزلاق إلى الفوضى، واستعادة وتقوية مؤسسات الدولة، كما تمكن أيضاً من تحجيم الدور الإخواني في تونس بخلاف المنصف المرزوقي الذي كان خادماً للجماعة الإخوانية.. فهل سيكون لرحيل الرئيس الباجي قايد السبسي تأثير على المشهد السياسي في تونس وعلى الدولة التونسية، وبخاصة "حركة النهضة الإخوانية" التي تركز على الخروج من حالة الانحسار السياسي الذي تعيشه في الداخل التونسي؟
إن فرص فوز حركة النهضة وتحقيق طموحات راشد الغنوشي الذي أعلنت "حركة النهضة" عن ترشيحه في هذه الانتخابات، تصطدم أيضاً بالخلافات المتصاعدة والانشقاقات المستمرة داخل الحركة، ضد سياسات راشد الغنوشي، التي تمت ترجمتها باستقالات عديدة لشخصيات داخل الحركة بدأت بالاستقالة الجماعية للمكتب المحلي لمحافظة القيروان
لقد تمكن الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي من تحجيم دور الإخوان في المشهد التونسي واحتكارهم للسلطة بتأسيس حزب "نداء تونس" والذي تم تشكيله في العام 2012، ما بعد الائتلاف الذي سعت حركة النهضة الإخوانية لتأسيسه أو الدخول فيه مع حزب المؤتمر وحزب التكتل الديمقراطي. وقد ضم الحزب وجوها نقابية معارضة إضافة إلى التيار اليساري والدستوريين ومجموعة من ناشطي المجتمع المدني والحركة النسوية التونسية. وقد أكد الرئيس الباجي أن تأسيس "حزب نداء تونس" جاء لإحداث توازن في المشهد السياسي التونسي، وهو ما دفعه للفوز في الانتخابات الانتخابات التشريعية والرئاسية -في العام 2014 - جاء ليهمش ويضعف ويعزل حركة النهضة الإخوانية من المشهد السياسي التونسي.
وبهذا النجاح، تمكن الرئيس السبسي من استعادة الدولة من منزلق الانهيار وأوصلها إلى بر الأمان وإلى مرحلة الاستقرار والازدهار، وهو ما لعب عاملاً كبيراً في التخفيف من وطأة رحيله.. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة من قبل حركة النهضة الإخوانية التونسية لتعطيل تشكيل أعضاء المحكمة الدستورية، والتي تعتبر المحدد الرئيسي لانتقال السلطة في البلاد، يمكن النظر لهذا التحرك السريع في الدول التونسية في غضون ساعات قليلة من إعلان وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي إلى الإعلان عن تسليم السلطة المؤقتة لرئيس البرلمان وإعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن انتخابات رئاسية مبكرة ستجرى على الأرجح في 15 سبتمبر، بأنه ترجمة حقيقية لدولة المؤسسات التي استطاع الراحل السبسي الحفاظ على هيبتها وقوتها، وأظهرت قدرتها على احتواء شغور منصب الرئيس والتقليل من تأثير غياب المحكمة الدستورية.
عندما ننظر إلى وفاة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي على صعيد التعاطي الإقليمي مع هذا الحدث، والذي تأتي وفاته في وقت يعيش فيه محور الشر القطري والتركي أسوء مراحله، في ظل حالة الانهيار للتنظيم الإخوان الإرهابي وبخاصة في ليبيا التي كانت تعول عليها قطر وتركيا بأنها المحطة المهمة لاستعادة حكم الإخوان، نجد أن الأنظار القطرية والتركية سوف تتجه إلى رفع مستوى تعويلها على "حركة النهضة الإخوانية في تونس" وذلك للتعويض عن حالة الفشل والانهيار للجماعة الإخوانية ما بعد ما يسمى بمرحلة الربيع العربي والرفض الشعبي العربي لهه الجماعة الإخوانية الإرهابية.
ولا شك أن حركة النهضة الإخوانية لم تخفِ أطماعها بدورها في الانتخابات الرئاسية، لا سيما أن رئيسها راشد الغنوشي الذي تتجه آماله إلى " قصر قرطاج 2019 " قد سبق وعبّر بصراحة عن اهتمامه بالرئاسة، لكن من حسن الحظ أن فرص تحقيق حركة النهضة طموحاتها بشأن الانتخابات الرئاسية تكاد تكون منعدمة، في الوقت الذي تصطدم فيه أحلام الغنوشي بالحقائق التي تؤكد "بأنه لا شعبية له"، وبحسب آخر استطلاعات الرأي حول نوايا الأصوات تصدّر رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، قائمة الشخصيات التي لن يصوت التونسيون لها في الانتخابات الرئاسية التونسية بـ 21.5%.
وبالنسبة للانتخابات البرلمانية التونسية المقررة في شهر أكتوبر، فإن فرص فوز حركة النهضة وتحقيق طموحات راشد الغنوشي الذي أعلنت "حركة النهضة" عن ترشيحه في هذه الانتخابات، تصطدم أيضاً بالخلافات المتصاعدة والانشقاقات المستمرة داخل الحركة، ضد سياسات راشد الغنوشي، التي تمت ترجمتها باستقالات عديدة لشخصيات داخل الحركة بدأت بالاستقالة الجماعية للمكتب المحلي لمحافظة القيروان، لتتبعها استقالة عضو مجلس شورى النهضة الإخوانية وهو من أكثر الشخصيات المقربة للغنوشي، وأيضا استقالة المستشار السياسي لرئيس الحركة، واستقالة المسؤول عن العلاقات الخارجية للحركة.. كل هذا يوضح مدى عمق الأزمة الداخلية التي تعيشها الحركة، وتضع الحركة التي تحاول فك الانحسار السياسي الذي تعيشه واستعادة وجودها في المشهد السياسي على طريق التفكك.
الأمر الآخر وهو أكثر أهمية هو القلق لدى حركة النهضة الإخوانية تجاه المنافسة التي سوف تشهدها هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية؛ فالرئيس التونسي الباجي قايد السبسي قبل رحيله وجه صفعة لحركة النهضة الإخوانية، برفض الموافقة على التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون الانتخابات، وهو ما أربك حسابات حركة النهضة الإخوانية التي كانت تراهن على قبول القانون لإقصاء بعض المرشحين البارزين من منافستهم في الانتخابات، وهو بالتالي - بجانب التردي الحاصل في شعبية الحركة في الشارع التونسي وارتفاع الوعي الشعبي تجاه حركات الإسلام السياسي، وأيضا التصاعد الحاصل في الخلافات داخل أروقة الحركة- جميعها ستكون القشة التي سوف تؤدي إلى قصم ظهر الحركة الإخوانية ومن يعول عليها من الدول الإقليمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة