الموضوعية تقتضي تناول دور الحلفاء الاستراتيجيين لدول مجلس التعاون من زاوية الضرورة، باعتبار دور هؤلاء الحلفاء في المنطقة حتميا
كلما تحدث قادة النظام الإيراني عن أسباب تفاقم التوتر في منطقة الخليج العربي يشيرون إلى وجود قوات دول كبرى في المنطقة، ويتنصلون من أي مسؤولية، سواء حيال هذا التوتر أو الأسباب التي تؤدي إلى تكثيف الدول الكبرى لوجودها العسكري في المنطقة!
يدرك النظام الإيراني جيداً كيف يمكن فك طلاسم الأزمة في الخليج العربي، فمن صنع الأزمة يستطيع معالجتها، وهذا لن يتأتى سوى بقناعة حقيقية لدى طهران بحسن الجوار، والتخلي عن الرغبة في الهيمنة والسيطرة والافتئات على سيادة وحقوق الجيران
والمؤكد أن حالة التوتر المزمنة التي تعانيها المنطقة تعود بشكل مباشر إلى عاملين أساسيين مترابطين، أولهما يتعلق بالأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة، وحرص الدول الكبرى على ضمان موطئ قدم فيها لتأمين مصالحها، ولا سيما ما يتعلق بموارد الطاقة، وثانيهما يرتبط بالسلوك الإيراني، الذي لم يكف طيلة سنوات مضت عن التلويح والتهديد بإغلاق مضيق «هرمز» كلما لاحت في الأفق أزمة مع الولايات المتحدة تحديداً؛ حيث بات أمن هذا المضيق الحيوي «أزمة مفتعلة» من المرشد الإيراني.
وقد تفاقم هذا السلوك واصطبغ بميل إيراني مستمر لانتهاك مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة عبر التدخل في شؤون الدول الأخرى ودعم المليشيات الطائفية التي تثير الفوضى والاضطرابات في دول عربية عدة، وتعمل لمصلحة إيران وتحقق أهدافها!
حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تقف وراءها إيران في المنطقة هي الأساس في أي نقاش موضوعي حول أسباب التوتر المتزايدة في الخليج العربي، وهذا ليس اتهاماً للنظام الإيراني، بل حقيقة تشهد عليها تصريحات القادة والمسؤولين الإيرانيين الذين تفاخروا علناً أمام العالم أجمع بالسيطرة على أربع عواصم عربية، في تجسيد واضح لتلاحم الصبغة القومية مع الهوية الطائفية التي تحرك السياسة الإيرانية!
وبجانب التهديدات التي كانت تتكرر لدرجة يصعب حصرها بإغلاق مضيق «هرمز»، فإن تصاعد النهج التوسعي لإيران وتدخلاتها في شؤون بعض دول المنطقة واستمرار احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، وعودة شعار «تصدير الثورة» إلى واجهة السياسة الإيرانية، لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015 مع مجموعة «5+1»، وهو الاتفاق الذي أطلق يد النظام الإيراني إقليمياً، وحررّ الحرس الثوري من أي قيود حركية، حيث بدا الاتفاق وكأنه صيغة تفاهم على تقاسم النفوذ والمصالح وليس اتفاقاً لكبح جماح الطموحات النووية الإيرانية والحد من الخطر والتهديد الإيراني، كل ذلك أسهم في تكريس أجواء التوتر وتعميق أزمة عدم الثقة بين إيران وجيرانها من دول مجلس التعاون، لا سيما في ظل تصاعد دور وكلاء إيران الطائفيين في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، وسعي إيران المستمر لإحكام قبضة السيطرة والهيمنة على المنطقة.
في ظل هذه الأجواء، هل كان مطلوباً من دول المنطقة أن تقف مكتوفة الأيدي وتكتفي بمراقبة التغول الإيراني أم تسعى لتقوية قدراتها العسكرية الذاتية والعمل على التصدي للمشروع التوسعي الإيراني، لا سيما في مناطقه التي تشكل خطورة على الأمن الوطني الخليجي؟!
في أي جردة حساب استراتيجية عقلانية لا يمكن بناء تصور لبدائل دول مجلس التعاون في التعامل مع التهديد الإيراني، سوى بدعم القدرات الدفاعية الذاتية لجيوش دول مجلس التعاون، وتقوية شبكة تحالفات هذه الدول مع القوى الدولية التي تمثل -تاريخياً ومصالحياً- طرفاً أساسياً في معادلات الأمن الخليجي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
لذا فإن الموضوعية تقتضي تناول دور الحلفاء الاستراتيجيين لدول مجلس التعاون من زاوية الضرورة، باعتبار دور هؤلاء الحلفاء في المنطقة حتمياً، سواء لحماية مصالحهم الاستراتيجية متمثلة في أمن الطاقة، أو التزاماً باتفاقيات الشراكة الاستراتيجية الدفاعية مع مجلس التعاون، ومن ثم يصبح هذا الدور التشاركي في حماية أمن المنطقة نتيجة السلوك الإيراني وليس سبباً في تفاقم التوتر، والنظام الإيراني يدرك ذلك جيداً ولكنه يناور ويتلاعب بالكلمات ويخلط الأوراق، في محاولة لإرباك من لا يعرفون الحقائق جيداً، عندما يضع العربة قبل الحصان وينسب التوتر إلى أسباب أخرى غير تلك الحقيقية التي صنعها بنفسه!
يدرك النظام الإيراني جيداً كيف يمكن فك طلاسم الأزمة في الخليج العربي، فمن صنع الأزمة يستطيع معالجتها، وهذا لن يتأتى سوى بقناعة حقيقية لدى طهران بحسن الجوار، والتخلي عن الرغبة في الهيمنة والسيطرة والافتئات على سيادة وحقوق الجيران.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة