العلاقات الإماراتية السعودية.. نموذج فريد للتعاون الاقتصادي
العلاقات التجارية والاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هي الأكبر بين دول مجلس التعاون الخليجي
تمثل الإمارات والسعودية نموذجا للتحالفات بين الدول المجاورة، حيث تتمتع كلتاهما بعلاقات ثنائية قوية، تجمعهما الثقافات المشتركة والتاريخ والقيم الإسلامية والعربية. ويتجسد ذلك من خلال وصول البلدين إلى مستويات عالية من التفاهم والرؤى الموحدة والنشاط الاقتصادي الضخم. كما تعزز إرادة قيادتهما السياسية تحقيق مصالحهما التنموية المشتركة. ويأتي ذلك من خلال تبادل الزيارات بين القيادات السياسية.
وقد طورت البلدان علاقاتهما الثنائية إلى مستويات غير مسبوقة من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي الإماراتي (SECC) لوضع استراتيجية مشتركة بين البلدين.
وفي هذا الإطار، أعلنت السعودية والإمارات عن رؤية وآلية عمل مشتركة للتكامل الاقتصادي والتنموي والعسكري من خلال 44 مشروعًا استراتيجيًا. وتجدر الإشارة إلى أنه تم توقيع 20 مذكرة تفاهم بين البلدين لأكثر من 60 مشروعًا مشتركًا سيتم تنفيذها على مدار السنوات الخمس المقبلة في قطاعات تشمل النفط والغاز والبنوك والطاقة النووية والدفاع، إلى جانب تحويل اقتصادياتهما ومجتمعاتهما رقميًا.
وبإلقاء نظرة على الاقتصادين السعودي والإماراتي تحتل كلتا الدولتين الصدارة ضمن أكبر اقتصادات الشرق الأوسط، حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية 786.5 مليار دولار، تلتها الإمارات، حيث بلغ الناتج المحلي 414 مليار دولار في عام 2018.
وقد انعكس ذلك على ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلدين، حيث بلغ 2.2% بالنسبة للمملكة العربية السعودية، بينما بلغ 1.4 لدولة الإمارات في عام 2018 وفقا لبيانات البنك الدولي. ووفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد 2018 الصادر عن صندوق النقد العربي، بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 41.8 ألف دولار بالإمارات، و21.1 ألف دولار بالسعودية، ليرتفع كلاهما عن متوسط الدول العربية البالغ 6 آلاف دولار للفرد. وبلغ معدل الادخار بالإمارات والسعودية نحو 52.2% و33.6%، ليرتفع بذلك عن متوسط الدول العربية الذي يبلغ 31.1% بينما بلغ معدل الاستثمار 25.1% و27.9%.
- العلاقات السعودية الإماراتية قدوة للعرب
- الإمارات والسعودية.. تبادل تجاري قوي بين أكبر اقتصادين عربيين
التنوع الاقتصادى أساس التكامل التنموى
تأثر الأداء الاقتصادي بالبلدين بمجموعة من العوامل، منها تعافي الاقتصاد العالمي، والتطورات المتعلقة بأسواق النفط العالمية خاصة الاتفاق الذي أبرمته الدول الأعضاء في منظمة أوبك مع الدول المصدرة للنفط خارج المنظمة لخفض الإنتاج، إلى جانب مواصلة عدد من الدول العربية مساعيها لتبني إصلاحات تستهدف تحقيق الانضباط المالي والاستدامة المالية. إضافة إلى مساعي الدولتين نحو تنويع اقتصادهما. وعليه اتخذت الدولتان تدابير وإصلاحات لتحقيق الانضباط المالي، وذلك من خلال تنويع مصادر الإيرادات العامة بعيدا عن النفط من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة في الإمارات والسعودية، واتجاه السعودية نحو رفع رسوم الخدمات الحكومية والضرائب على الأراضي الشاغرة.
إلى جانب ذلك، يركز البلدان على استخدام التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز النمو الاقتصادي كجزء من خطط التنمية الأوسع نطاقًا، خاصة عبر قطاعات الطاقة والاتصالات والسيارات والبناء.
التجارة البينية والخدمات اللوجستية
تعد العلاقات التجارية والاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هي الأكبر بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعد المملكة العربية السعودية هي الشريك التجاري العربي الأول والثالث عالمياً لدولة الإمارات العربية المتحدة. وتستحوذ على نحو 7% من تجارة الإمارات غير النفطية مع العالم و25% من التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات مع الدول العربية، حيث وصلت المملكة إلى قائمة أهم مستقبلي الصادرات الإماراتية خلال عام 2018. وبلغ التبادل غير النفطي بين البلدين 107.4 مليار درهم في عام 2018، بزيادة قدرها 35% عن عام 2017. بينما بلغ التبادل التجاري غير النفطي 416.6 مليار درهم على مدى السنوات الخمس الماضية، ما يرسخ الشراكة التجارية بين البلدين.
على جانب التجارة السلعية، ارتفعت قيمة التجارة في السلع بين الإمارات والمملكة العربية السعودية إلى 18.3 مليار درهم خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2019، بزيادة قدرها 20.6%، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018. وقد شكلت تجارة الإمارات مع المملكة العربية السعودية 25.6% من إجمالي تجارتها مع بقية العالم في 2019. كما استحوذت الإمارات العربية المتحدة على نحو 69.3% من التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2018.
وبالنظر إلى الصادرات، تعد المملكة العربية السعودية وجهة دولية رائدة لصادرات الإمارات العربية المتحدة غير النفطية، حيث قفزت قيمة صادرات الإمارات غير النفطية إلى المملكة العربية السعودية إلى 8.9 مليار درهم في أبريل/نيسان 2019، بزيادة قدرها 34.8% مقارنة بـ6.6 مليار درهم مقارنة بالفترة نفسها من عام 2018.
ووفقا لأرقام مركز الإحصاء الإماراتي بلغت صادرات الإمارات إلى المملكة العربية السعودية 45% من إجمالي صادراتها إلى العالم، التي بلغت خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان 2019 نحو 17.3 مليار درهم. في عام 2018، كانت الإمارات العربية المتحدة سادس أكبر سوق للصادرات في المملكة العربية السعودية وثالث أكبر سوق للواردات.
وفى مجال اللوجستيات، أطلق مركز اللوجستيات السعودي مبادرة حكومية فى نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لدعم نمو قطاع الخدمات اللوجستية في المملكة، بالتعاون مغ دولة الإمارات العربية المتحدة والرابطة الوطنية للشحن والخدمات اللوجستية (NAFL)، سعيا نحو الاستفادة من الخبرات الإماراتية بوصفها رائدة في الخدمات اللوجستية. وتأتي الإمارات في المرتبة الثالثة على مستوى العالم والأولى على المستوى الإقليمي بين 55 من الأسواق الناشئة للخدمات اللوجستية. وذلك بفضل المناطق الحرة التي تحظى بها مثل منطقة جبل علي، والاستثمارات الضخمة في قطاعات الطرق والسكك الحديدية والنقل الأخرى والتجارة الإلكترونية السريعة النمو، وهو ما يضع الإمارات على قائمة صناعة الخدمات اللوجستية.
ونتيجة للجهود السعودية في هذا المجال استطاعت السعودية أن تستحوذ على 55% من قطاع الخدمات اللوجستية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. فخلال العقد الماضي استثمرت البلاد أكثر من 100 مليار دولار أمريكي في بنيتها التحتية للنقل والخدمات اللوجستية. وفي عام 2019 حققت المملكة العربية السعودية زيادة بنسبة 47% في عدد شركات النقل والخدمات اللوجستية الأجنبية الجديدة، وفقاً للهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية.
الاستثمار الأجنبي المباشر
تأتي الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول المستثمرة في المملكة العربية السعودية بقيمة إجمالية تزيد على 34 مليار درهم، وهناك أكثر من 30 شركة ومجموعة استثمارية إماراتية تنفذ مشاريع كبرى في السعودية. وفيما يتعلق بعدد الشركات السعودية العاملة في الإمارات وقيمة استثماراتها تجاوزت الاستثمارات السعودية المباشرة في الإمارات 16 مليار درهم، كما أن هناك 4004 علامات تجارية سعودية مسجلة في الإمارات العربية المتحدة، و73 وكالة تجارية، و26 شركة مسجلة في البلاد.
وقد شهدت البنية التحتية القانونية لدولة الإمارات العربية المتحدة مجموعة من الإصلاحات الهيكلية على مدى العامين الماضيين أو نحو ذلك، بدءًا من قانون الشركات في عام 2015، وقانون الإفلاس في عام 2017، واتبع ذلك قانون التحكيم الذي صدر مؤخرًا في عام 2018. وتوجت هذه التطورات في الإصدار الأخير لقانون الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد الذي يمثل تحولًا كاملاً للبنية التحتية القانونية ومناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في دولة الإمارات العربية المتحدة. تقدمت دولة الإمارات ثلاث مراتب في عام 2018 عن ترتيبها في عام 2017 لتحل المرتبة 27 عالمياً من حيث قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وفق التصنيف المتبع لدى مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، في نتائج تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي الصادر لعام 2019.
وعلى الجانب السعودي، بذلت الحكومة السعودية جهودًا ضخمة لتعزيز مناخ الأعمال وتشجيع المستثمرين الأجانب. وعليه صعدت المملكة من تصنيف التنافسية الدولية وسهولة ممارسة الأعمال التجارية. وقد انعكس ذلك على زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 127% في عام 2018، وارتفاع عدد الشركات التي تدخل المملكة العربية السعودية بنسبة 70% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2019.
ختاما فإن العلاقات الإماراتية - السعودية نموذج يحتذى به على المستوى الإقليمي، مستندة إلى عديد من الأسس والرؤى المتوازنة تجاه قضايا المنطقة والعالم.