ترتيب أوراق إيران.. ما الذي يبحث عنه "عبداللهيان" في روسيا؟
قاموس جديد تشكله لغة السياسة الشرق أوسطية، وتسطر فيه إيران ملامح حقبة جديدة بالمنطقة، وإن ظل الملفان النووي والسوري كلمة السر فيها.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان وصل في وقت متأخر من مساء الثلاثاء إلى العاصمة الروسية موسكو، توجها بلقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف.
الخارجية الإيرانية وضعت خطوطا عريضة لزيارة عبداللهيان إلى موسكو، أول ملامحها خطة العمل المشتركة والشاملة بشأن الاتفاق النووي ثم الملف السوري.
لكن قائمة الملفات، وفقا للبيان الإيراني، تشمل تبادل وجهات النظر بين لافروف وعبداللهيان حول الأوضاع في أفغانستان ومنطقة القوقاز وبحر قزوين أيضا بجانب العلاقات الثنائية.
أما موسكو فقد كانت أكثر وضوحا، إذ أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أنه في ظل الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات، فقد بحث لافروف وعبداللهيان أيضا وجهات النظر حول تحسين الوضع في منطقة الشرق الأوسط.
وبالتزامن مع زيارة أمير عبداللهيان لروسيا فرضت الحكومة الكندية عقوبات جديدة على مؤسستين وستة مسؤولين في إيران بسبب انتهاك حقوق الإنسان وإنتاج طائرات مسيرة وصواريخ باليستية.
وبحسب وزارة الخارجية الكندية فإنها فرضت جولة عاشرة من العقوبات ضد إيران، شملت كبار المسؤولين في الحرس الثوري وقوات الشرطة بسبب "الانتهاك الجسيم والمنهجي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بقمع الاحتجاجات في طهران وشمال غرب البلاد".
تهدئة إيرانية
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للصحفيين عقب محادثات مع لافروف "تعاون طهران وموسكو لا يستهدف أي طرف ولا يشكل تهديدا لأي دولة".
نبرة تهدئة إيرانية جاءت رداً على إبداء الولايات المتحدة قلقها من تصاعد مستوى التعاون، لا سيما العسكري بين إيران وروسيا.
عبداللهيان أضاف في تصريحاته من موسكو "نأمل في استكمال اتفاقية التعاون الشامل مع روسيا، وأنا سعيد للغاية لمراجعة مسودة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران وروسيا ووضع اللمسات الأخيرة عليها".
ووفقا لوزير الخارجية الإيراني فإنه "في أقل من شهر ستجري الدائرة القانونية في وزارتي خارجية البلدين المراجعة النهائية لاتفاقية التعاون الاستراتيجي"، مؤكدا أن موسكو تدعم خطة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والغرب.
كانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد أكدت أنه استجابة لمساعدة الطائرات بدون طيار الإيرانية، تقدم روسيا المساعدة التقنية لموسكو للمراقبة الإلكترونية.
إلا أن إيران تنفي صحة ما تحدثت عنه التقارير الإعلامية الأمريكية، موضحة أنها لم تزود روسيا بالسلاح في حرب أوكرانيا، وأنها أعطتها "عددا من الطائرات بدون طيار" قبل الحرب التي بدأت شرارتها في 24 من فبراير/شباط 2022.
فيما تؤكد الولايات المتحدة والدول الغربية أن إيران أكبر داعم عسكري لروسيا في الحرب مع أوكرانيا، ما جعلها تفرض على طهران موجة عقوبات شديدة وواسعة من قبل الدول الغربية بسبب دعم موسكو بالطائرات المسيرة.
عقبة المسيرات
وتوطدت العلاقات بين طهران وموسكو، خاصة بعد هجوم روسيا على أوكرانيا، وتمكنت إيران من إنهاء شراء مقاتلات سوخوي 35 من روسيا.
ومرارا وتكرار، أكدت الخارجية الأمريكية أن جميع الخيارات المتعلقة ببرنامج إيران النووي مطروحة على الطاولة، لكن خطة العمل الشاملة المشتركة ليست من بينها.
كان عبداللهيان قد كتب في تغريدة: "في الأيام الأخيرة، تشاورنا وتبادلنا الآراء مع وزراء خارجية النمسا وأستراليا وعمان وقطر والكويت وتركيا والإمارات وسويسرا وباكستان وماليزيا والمملكة العربية السعودية وليبيا وسوريا، وسألتقي وزير الخارجية الروسي في موسكو قريباً".
ولم تتمكن وزارة الخارجية الإيرانية في حكومة إبراهيم رئيسي من إقامة علاقة ناجحة مع الدول الأوروبية والقوى العالمية.
وأمام ذلك، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الأحد، وفي أحدث تقييم استخباراتي لها حول الحرب في أوكرانيا، أنه بسبب الاستخدام الواسع النطاق لطائرات مسيرة إيرانية الصنع فقد هاجمت روسيا الأراضي الأوكرانية في غضون أيام قليلة ما لا يقل عن 71 مرة.
وتعتقد وزارة الدفاع البريطانية أن روسيا ربما تتلقى بانتظام طائرات بدون طيار من صنع إيران، ويبدو أن طهران تنتج بانتظام مسيرات من أجل تجديد ترسانة موسكو.
لكن من ناحية أخرى، وعلى الرغم من كل الأدلة والمعلومات التي تنشرها دول مختلفة حول صفقة الأسلحة هذه بين إيران وروسيا، لم يقبل قادة طهران تصريحات إرسال طائرات بدون طيار وأسلحة عسكرية إلى موسكو.
ففي أول خطاب له في العام الإيراني الجديد الذي صادف في 21 مارس/آذار الجاري، رفض المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي أي دور لبلاده في الحرب ضد أوكرانيا.
وقال خامنئي في خطابه: "نرفض رفضا قاطعا المشاركة في الحرب في أوكرانيا، ومثل هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق".
وأضاف خامنئي: "بدأت الحرب في أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة لتوسيع الناتو إلى الشرق، والآن بينما شعب أوكرانيا محاصر ويعاني من المشاكل تستفيد الولايات المتحدة ومصانع أسلحتها أكثر من الحرب، وبسبب ذلك فهم يعرقلون العمل الضروري لإنهاء الحرب".
وما بين هذا وذاك، فقد تعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من خلال نشر صورة بجوار حطام طائرة مسيرة إيرانية الصنع من طراز "شاهد 136" بأن تواصل بلاده إسقاط المسيرات الإيرانية.
زيلينسكي أعلن أن روسيا أمرت إيران بإصدار 2000 طائرة مسيرة، وأن الجيش الروسي استخدم 400 من هذه الطائرات الإيرانية المسيرة ضد مناطق في أوكرانيا.
وعلى الرغم من كل هذا النفي ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، الإثنين، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن التعاون العسكري بين إيران وروسيا لا يقتصر على تبادل الأسلحة العسكرية، بل إن موسكو من جهة أخرى تزود طهران ببرمجيات متطورة في مجال التجسس والمراقبة الرقمية.
مصادر الصحيفة الأمريكية قالت: "يتم تبادل هذه المعدات في حين أن الجمهورية الإسلامية عادة ما تستخدم المعلومات والمعدات الإلكترونية بقوة".
ووفقا لهذا التقرير، بالإضافة إلى هذه القدرات السيبرانية تريد إيران عشرات المروحيات الهجومية والطائرات المقاتلة الروسية المتقدمة، فضلاً عن مساعدة موسكو في برنامج إيران الصاروخي بعيد المدى.
وتقدمت إيران بهذه الطلبات لتزويد روسيا بطائرات بدون طيار وصواريخ قصيرة المدى ومعدات حربية أخرى.
والثلاثاء، وصفت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التقارير التي تحدثت عن تعاون سيبراني وعسكري بين إيران وروسيا بأنها "مثيرة للقلق".
ملفات مهمة
وفي سياق متصل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، إن موسكو تدعو إلى استئناف القرار الأممي الخاص بالاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015.
وكشف لافروف أن روسيا أكدت الاستكمال العاجل لعضوية إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، مضيفا: "ناقشنا القضية الفلسطينية والأوضاع في أفغانستان واليمن وجنوب القوقاز ومسائل بحر قزوين".
بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني إن "المحادثات كانت مثمرة وتطرقنا إلى المسائل السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية وغيرها"، مضيفا: "قدّمت إيران 49 وثيقة إلى منظمة شنغهاي للتعاون خلال قمتها المقبلة".
عبداللهيان تابع: "ركزنا في المحادثة مع لافروف على الأوضاع في جنوب القوقاز لأن استمرار التوترات هناك لا تصب في مصلحة أي طرف، وبحثنا الأوضاع في أوكرانيا ونعتبر أن تسليح كييف من الغرب بالأسلحة المتطوّرة من شأنه تعقيد الأوضاع في المنطقة".
ومضى في حديثه: "نرحب بأي اقتراح من شأنه إحلال السلام ونرحب بالمحادثات الجارية المتعلقة بالأزمة في اليمن".
وفي أبريل/نيسان المقبل، سيلتقي نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا في موسكو، بعد إعلان أنقرة ودمشق إقامة علاقات بينهما بعد سنوات من العداء.
وخلال الحرب السورية، أرسلت تركيا قواتها إلى جزء كبير من شمال هذا البلد ودعمت المعارضة السورية حتى الآن.
وكان من المفترض عقد اجتماع كان مقررا مسبقا لنواب وزراء خارجية هذه الدول الأربع في مارس/آذار الماضي، لكن هذا الاجتماع تم تأجيله.
والإثنين أفادت وكالة الأنباء الروسية الرسمية بأن نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران وسوريا قد يجتمعون في موسكو في أوائل أبريل/نيسان، بحسب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
ويواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الآن أكبر تحد سياسي في فترة حكمه التي استمرت عقدين، ومن المتوقع أن تشكل الانتخابات التركية في مايو/أيار تحديا خطيرا لأردوغان.
من ناحية أخرى، رحب بشار الأسد في رحلته الأخيرة إلى موسكو بتوسيع الوجود الروسي في سوريا، واقترح أن يكون الوجود العسكري لموسكو في البلاد دائما.
لماذا موسكو؟
الخبير الإيراني في الشؤون الروسية روح الله مدبر وصف زيارة أمير عبداللهيان إلى موسكو بأنها "مهمة"، مؤكدا أن أحد محاور هذا الاجتماع هو قضية جنوب القوقاز، لأن البلدين يشددان على أنه لا ينبغي أن يكون هناك توتر جديد في هذه المنطقة.
روح الله مدبر قال في حديثه لوكالة أنباء فارس نيوز عن أبعاد زيارة عبداللهيان إلى موسكو: "هناك عدة جوانب مهمة في هذه الزيارة، وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، العام الماضي، والاجتماع المهم للغاية الذي عقده مع المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، تم التطرق إلى نقاط خاصة".
حينها شدد خامنئي على أنه على الأمريكيين مغادرة سوريا ككل، موضحا أن "هذا فصل مشترك بين طهران وموسكو مما يدل على أن الروس متفقون معهم في هذا الشأن".
وذكر الباحث الإيراني المعني بالقضايا الروسية أن الخبراء يتوقعون إزالة العقبات الموجودة في طريق إخراج الدولار من الشبكة المصرفية لإيران وروسيا، قائلاً: الشبكة المصرفية في روسيا تسمى مير والشبكة المصرفية في إيران، المعروفة باسم شتاب، من المفترض أن تتحدا مع بعضهما البعض، وإزالة عقبات مهمة للغاية في المجال التجاري والاقتصادي".
وأشار إلى أن "هذا الأمر مهم لرجال الأعمال الإيرانيين وله تأثير خاص في مجال السياحة، وتؤدي هذه المشكلة إلى وصول الميزان التجاري إلى رقم أعلى على الرغم من زيادة هذا الرقم التجاري اليوم، إلا أنه غير مقبول".
وفي إشارة إلى زيارة الرئيس الصيني لروسيا، أشار هذا الخبير الإيراني في الشؤون الروسية إلى أنها كانت تعبيراً عن النظام العالمي الجديد، موضحا أن طهران كانت أحد المحاور المهمة للجانبين، وهذه القضية كما تم خلال المباحثات الوزارية، حيث تعتبر الشؤون الخارجية للبلدين مهمة.
وفي النهاية، وفي إشارة إلى بداية الفصل المشترك في العلاقات بين إيران وروسيا، قال: إن الفصل المشترك في المحادثات بين إيران وروسيا هو عدم توسع الناتو شرقاً، وهذه المسألة مهمة بالنسبة لإيران.
ولفت إلى أن "توسع الناتو إلى الشرق هو تهديد مشترك لإيران وروسيا، وكما يبدو أن التطورات الجديدة في جنوب القوقاز مهمة للبلدين لأنهما يعتقدان أنه لا ينبغي أن يكون هناك توتر جديد في هذه المنطقة".
واختتم حديثه بالقول: "في الوقت الحالي حالت مجموعات حفظ السلام الروسية في منطقة جنوب القوقاز دون حدوث توترات وصراعات جديدة، ويؤمن البلدان بالسلام والاستقرار في المنطقة".
aXA6IDMuMTM3LjE2NC4yMjkg جزيرة ام اند امز