بينما تشهد منطقة الشرق الأوسط تحركات متزايدة من الدول المحورية نحو تهدئة النزاعات وتسوية الصراعات والتوترات، تظهر لنا بين حين وآخر إشارات مقلقة حول مستقبل التعاون الإقليمي في المنطقة وحقيقة نوايا بعض أطرافها بشأن التعاون والحوار.
أتحدث هنا عن مسارعة وزارة الخارجية الإيرانية إلى إصدار بيان رسمي تنتقد فيه الموقف الخليجي الذي تبناه وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشأن الجزر الإماراتية الثلاث في اجتماعهم الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي 22 مارس/آذار في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون.
وأتحدث عن أن البيان الوزاري الخليجي اشتمل على ملفات وقضايا كثيرة تشمل كل الملفات والقضايا ذات الاهتمام على المستويات الخليجية، والعربية والإقليمية والدولية. من تعزيز التعاون ومساعي التكامل الاقتصادي والعسكري الخليجي، إلى الأزمات في سوريا واليمن وليبيا والقضية الفلسطينية والوضع في العراق ولبنان وأزمة سد النهضة، وصولاً إلى الأزمة الروسية الأوكرانية ومكافحة الإسلاموفوبيا، أي أنه لم يقتصر على الجزر الإماراتية الثلاث فقط.
لذا فإن وجه الاستغراب هنا أنه في مقابل تعدد الإشارات الإيجابية التي صدرت من طهران نفسها مؤخراً وفي أكثر من اتجاه، جاء بيانها الأخير ليثير علامة استفهام حول جدية التوجه الإيراني نحو تصفية الأجواء وإصلاح العلاقات مع دول المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن البيان الصادر عن المجلس الوزاري الخليجي رحب بالتقارب السعودي الإيراني، وثمّن جهود العراق وسلطنة عُمان في استضافة ورعاية جولات المباحثات التي جرت بين الرياض وطهران خلال العامين الماضيين. والدور الذي بذلته الصين في التوصل إلى التفاهم المستجد قبل أسبوعين. والمعنى الواضح أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليست فقط متمسكة بحسن الجوار مع إيران لكنها أيضاً تحتفي بأي تطور إيجابي بين أي من دول المجلس وطهران.
وفي الوقت نفسه، لا يتعارض هذا الموقف الخليجي المبدئي مع الثوابت المرتبطة بسيادة وأمن دول المجلس وحقوقها التاريخية في أراضيها. من هنا أكد بيان وزاري الخليج "دعم سيادة دولة الإمارات على جزرها الثلاث..". و"دعوة إيران إلى حل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية".
وبالتالي من الغريب أيضاً، أن يثير البيان الخليجي المتوازن حفيظة إيران، فتنتقده رغم موضوعية مضمونه ودبلوماسية صياغته. وكأن طهران لم ترَ الروح الإيجابية تجاهها من جانب المجلس الوزاري الخليجي، والتفتت فقط إلى تأكيده حق الإمارات في الجزر الثلاث، رغم إرفاق ذلك التأكيد بأن يكون حل هذه القضية الخلافية في إطار سياسي تفاوضي، أو في إطار قانوني من خلال محكمة العدل الدولية.
وأكثر ما يدعو للتساؤل والاندهاش من ذلك الموقف الإيراني، أنه يأتي في توقيت ترفع فيه طهران شعار الحوار والتفاهم، وبالتزامن مع تحركات كثيرة تجري في المنطقة لتحسين العلاقات بين دولها، وبالتالي وبدلاً من ترجمة تلك الشعارات إلى واقع عملي يأتي البيان بإشارات تبدو أنها معاكسة.
إن سياسة دولة الإمارات واضحة لا لبس ولا تناقض فيها. فهي كما تحرص دائماً على إقامة علاقات جيدة مع كل دول العالم وتحرص على تنمية واستقرار كل شعوب الأرض، لا تتخلى عن ثوابتها الأساسية ولا تتنازل عن حقوقها التاريخية وسيادتها على أراضيها. وليست دعوتها المستمرة والثابتة إلى إدارة أي خلاف أو نزاع مع أي دولة عبر الحوار والتفاوض أو بمسار قانوني، إلا تجسيداً للرؤية المتوازنة لدبلوماسيتها وسياستها الخارجية، التي تنتهج الانفتاح الإيجابي والتعاوني على العالم، دون أي تنازل أو انتقاص من حقوقها وسيادتها.
المأمول من إيران الجارة المهمة للدول الخليجية مراجعة حساباتها وإعادة ضبط ما يصدر عنها من مواقف وإشارات وفق محددات ثابتة وواضحة. وأن تأخذ ما يصدر عن الدول الأخرى بحسن نية وبالواقعية السياسية التي بدأت تنتشر في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة