واشنطن والاتفاق النووي الإيراني.. مقاربات الانسحاب
رياح عاتية تهب على الاتفاق النووي الإيراني، وتعبث بسفن الأوروبيين والروس والصينيين، في وقت يتوقع فيه خبراء انسحابا وشيكا لأمريكا منه.
رياح عاتية تهب على الاتفاق النووي الإيراني، وتعبث بسفن الأوروبيين والروس والصينيين، في وقت يتوقع فيه خبراء انسحابا وشيكا للولايات المتحدة الأمريكية منه.
توقعات شبه راسخة تتغذى من إحداثيات الوضع الراهن، مع اقتراب السقف الزمني المحدد بالثاني عشر من مايو/أيار المقبل، وهو تاريخ تجديد تصديق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إنهاء الإعفاءات المتعلقة بالعقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني، وانسحاب واشنطن من الاتفاق.
خطوة سبق وأن لوح بها ترامب في أكثر من مناسبة، مطالبا الحلفاء الأوروبيين بتعديل نص الاتفاق شرطا أساسيا للتراجع عن قرار الانسحاب، ضمن تكتيك يستبطن تغيرا واضحا في السياسات الأمريكية المتعاقبة إزاء الاتفاق.
الإدارة الأمريكية.. من التطبيع إلى العداء
قبل أقل من 3 سنوات، وتحديدا في 14 يوليو/ تموز 2015، توصلت إيران إلى اتفاق مع مجموعة القوى الدولية، وافقت بموجبه على تقييد برنامجها النووي، مقابل تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها.
خطة عمل شاملة مشتركة تم الإعلان عنها في حينه، ومنحت العالم قناعة بأنها ستفتح الباب أمام تحوّل في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وفي علاقات طهران مع الغرب بشكل عام، وسيكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد الإيراني.
غير أن ما حدث هو أن شهر العسل الذي لم يشهد له العالم مثيلا بين واشنطن وطهران، على الأقل منذ قيام الجمهورية الإيرانية الإسلامية إبان ثورة 1979، سرعان ما تحول إلى تنافر وتصادم لافتين عقب صعود ترامب للحكم في 2016.
فترامب الذي تبنى، منذ البداية، سياسة هجومية حيال الاتفاق، توعد أن يكون إسقاط الاتفاق النووي مع إيران أهم إنجازاته.
ويقول محللون إن التغير الجذري للموقف الأمريكي من الاتفاق النووي يعود إلى العيوب التي تشوب الأخير، ولما تضمنه من تفاهمات سرية وهيكلة معقدة تجعله مصمّما لتحفيز انطلاق حلفاء الولايات المتحدة للاستثمار في اقتصاد أكبر دولة راعية للإرهاب في المنطقة.
انطلاق لن يسفر فقط عن تطبيع النظام المصرفي الإيراني المريب مع الشركات الفاسدة المملوكة لإيران، وإنما سيخلق بديهيا تأييدا أوروبيا قويا من شأنه أن يشكل لاحقا جدار صد لأي عقوبات قد تلحق الضرر بالاستثمارات المتوقَّعة من وراء الاتفاق النووي.
مقاربات أمريكية للانسحاب
تدابير عديدة اتخذها ترامب مؤخرا لتهيئة المجال استعدادا لحسم الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي، أبرزها إقالة وزير خارجيته ريكس تيلرسون الذي يعتبر من أشد المؤيدين للاتفاق.
وبخروج تيلرسون، فقدت إيران واحدا من المدافعين عنها في الإدارة الأمريكية، بل يرى خبراء أن طهران ستواجه بتعيين مايك بومبيو، المدير الأسبق للاستخبارات الأمريكية، خلفا لـ«تيلرسون»، أياما غير سارة بالمرة، خصوصا أن الرجل معروف بمعارضته القوية للاتفاق.
واستكمالا لترسانته من منتقدي الاتفاق النووي، تم تعيين جون بولتون مستشارا جديدا للأمن القومي الأمريكي، وهو الذي أعد، قبل 6 أشهر، مسودة استراتيجية تقضي بالانسحاب الكامل من الاتفاق مع إيران.
تغييرات فاقمت من الضبابية المحدقة بمستقبل الاتفاق، وجعلت المقاربات الأمريكية تنحشر في زاويتين تخشاهما طهران بشدة، فإما أن تنسحب واشنطن من الاتفاق أو تستمر فيه عقب تعديله، وفي الحالتين، فإن طهران هي الخاسر الأكبر، لأن الشكوك المزروعة حول الاتفاق فاقمت من مخاوف البنوك والشركات الأوروبية.
ظلال من الشكوك جعلت جميع الأطراف تتعامل، في هذه المرحلة، بحذر شديد مع السوق الإيرانية، وهو ما يثير الرعب في مفاصل نظام الملالي الذي يراقب بقلق بالغ انحسار الجاذبية عن اقتصاده من زاوية الاستثمار الأجنبي الكبير.
كما تسببت الشكوك في استمرار تعثر العديد من الصفقات التي كادت تتجسد في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، من ذلك صفقة بيع طائرات "بوينغ" لطهران، بقيمة بضعة بلايين من الدولارات.
تعثر يتغذى من ضبابية تتفاقم بشكل صاروخي، في ظل واقع إيراني يزداد تأزما على جميع المستويات، وفي وقت تستمر فيه الشرطة السرية الإيرانية بالقبض على رعاياها من حاملي الجنسية المزدوجة، وتلفق لهم التهم للزج بهم في السجون.
فيما يواصل الحرس الثوري الإيراني أو وكلاء نظام الملالي في شن الحروب في سوريا واليمن، وتستمر المصارف الإيرانية في غسل الأموال لصالح «حزب الله» اللبناني، لتمويل أجنداته التخريبية بالمنطقة، في مشهد مرتبك ومشحون بالعثرات التي تجعل من التواصل مع طهران أمرا محفوفا بالمخاطر وبالشبهات أيضا.
aXA6IDE4LjIyMy4xNTguMTMyIA==
جزيرة ام اند امز