في جميع الأحوال ليس في يد إيران من الأوراق ما يجعلها قادرة على فرض رؤيتها وتصورها على شركائها الأوروبيين
يبدو أن نظام الحكم في إيران اختار لعبة سياسة حافة الهاوية.. السؤال: هل تحوز طهران من جانبها أوراق هذه اللعبة؟.. رفض المرشد الإيراني علي خامنئي الحوار مع واشنطن بعد انسحابها من الاتفاق النووي رسم علامات استفهام حول دوافع هذا الرفض، وإزاء البدائل التي تمتلكها طهران لمواجهة التحديات التي برزت في وجهها بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.
سعت طهران منذ اللحظة الأولى لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق السابق إلى ابتزاز أوروبا مرارا وتكرارا، كونها الشريك الأساسي لواشنطن في مجموعة خمسة زائد واحد التي فاوضت الإيرانيين وتوصلوا إلى اتفاق.
كل ذلك أسهم في تقريب مواقف غالبية المجتمع الدولي وتوحدها ضد النظام الإيراني، وهو ما يفقده ما تبقى من بعض أوراقه التي كان يعتقد أنه قادر على توظيفها لخدمة سياساته ونهجه
حينها رفع الرئيس الفرنسي راية التريث قبل القطيعة التامة على أمل جسر الهوة بين واشنطن وطهران، ومن ثم الوصول إلى بلورة نقاط تلاق بينهما وإعادة ترتيب أوراق اتفاق جديد يحقق مصالح الطرفين، وبدا أن الرئيس ترامب كان منفتحا على هذا التوجه، لكن باريس أخفقت في الوصول إلى أهدافها لأسباب عدة، تتعلق بعضها بالموقف الإيراني الذي جاء على لسان المرشد خامنئي بعدم التفاوض مع الأمريكيين تحت أي ظرف، ومن جانب آخر لعدم ثقة الأوروبيين بسياسة إيران واعتيادهم على تملصها من تعهداتها في قضايا كثيرة، منها تلك المرتبطة بمصالح أوروبا في المنطقة، إضافة إلى أسباب تتعلق بالأوروبيين ذاتهم وسياساتهم محدودة التأثير على حلفائهم الأمريكيين، وأسباب مرتبطة باستراتيجية واشنطن الجديدة وأهدافها ومصالحها تبعا لتوجهات إدارة الرئيس ترامب.
في جميع الأحوال ليس في يد إيران من الأوراق ما يجعلها قادرة على فرض رؤيتها وتصورها على شركائها الأوروبيين، بعد أن أخفقت في تحقيق مرادها مع الأوروبيين بشكل مباشر اتجهت إلى سياسة الاستعراض والابتزاز والتهديد، تارة في مياه الخليج وبعض مضائق الملاحة الدولية، وتارة أخرى في لعبة احتجاز ناقلات نفط واستهداف منشآت نفطية عالمية كأرامكو، سواء بشكل مباشر منها أو عبر وكلائها.
لم تجن من وراء ذلك سوى الإدانة والرفض الدوليين، بل أسهم سلوكها الاستفزازي والابتزازي في تقليص عدد المتعاطفين معها، وتحولت بعض العواصم الغربية التي كانت متعاطفة جزئيا معها بشأن الاتفاق النووي إلى موقع المستنكر والرافض لهذه السياسة، حتى موسكو ورغم الكثير من مصالحها المشتركة مع طهران لم تستطع أن تكون خارج إرادة المجتمع الدولي المعارض للسلوك الإيراني وتهديداتها وابتزازها، فرضية عدم وفاء طهران بشروط الاتفاق النووي السابق كانت ماثلة أمام الكثير، ورافقتها اتهامات لطهران بهذا الخصوص، لكنها ظلت بلا جدوى؛ لأن الاتفاق كان قد سرى مفعوله، اليوم تجد تلك الفرضية البراهين على صحتها وأهميتها؛ إذ أعلنت وكالة الطاقة الذرية رسميا العثور على آثار يورانيوم مخصب في أحد المواقع الإيرانية وعلى وجود مفاعل نووي سري لم تكشف عنه طهران إبان فترة المفاوضات التي مهدت للاتفاق السابق، ليضاف إلى ذلك فشل آخر ويستجلب معه إدانات دولية، من أبرز تجلياتها تآكل الموقف الأوروبي المتعاطف معها تدريجيا، فبعد أن كان مساندا وداعيا إلى العمل من أجل إحياء الاتفاق النووي ها هم الأوروبيون يلامسون حدود نفاد الصبر بسبب سياسة ايران وتعنتها، وربما الأكثر دلالة على تباين وتعارض الطرفين يتمثل في أن العواصم الغربية التقت في دائرة واحدة وموقف موحد ضد قمع السلطات الإيرانية الاحتجاجات التي تفجرت في غالبية المدن الإيرانية.
عناصر المشهد المتشكل على امتداد الساحة الإيرانية يتمثل بإخفاقات سياسية على أكثر من صعيد، واقع اقتصادي خانق ومستمر بالتدهور، استنزاف مقدرات الشعب الإيراني الهائلة في التدخلات الخارجية وبرامج التسلح والتصنيع العسكري والبرنامج النووي، مواجهة الشعب الثائر بالحديد والنار، كل ذلك أسهم في تقريب مواقف غالبية المجتمع الدولي وتوحدها ضد النظام الإيراني، وهو ما يفقده ما تبقى من بعض أوراقه التي كان يعتقد أنه قادر على توظيفها لخدمة سياساته ونهجه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة