إحراق الصور والتماثيل للمرشد الإيراني تعني بداية مرحلة جديدة سعى لتأسيسها الشارع الإيراني
لا شك أن قرار الحكومة الإيرانية برفع أسعار الوقود كان هو الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الشعبية في إيران، لكن هذا القرار لم يكن هو العامل الرئيسي، فعندما ننظر إلى الشارع الإيراني نجد أنه يعيش منذ فترة في احتجاجات متقطعة قد لا ترقى إلى مسمى انتفاضة، ولكن سرعة انتشار الانتفاضة الشعبية عقب قرار رفع أسعار الوقود، والتي امتدت خلال يوم واحد لتشمل 50 مدينة إيرانية، كانت بمثابة المحرك الرئيسي لهذه الانتفاضة، فهي قد أسهمت إلى حد كبير في أن تسعى مع استمراريتها لكسر حاجز الصمت والخوف لدى الشعب الإيراني، ما أدى إلى نجاح انتفاضة أسعار الوقود لأن تتمدد في المدن كما تنتشر "النار في الهشيم".
على الإدارة الأمريكية أن تسعى لاستغلال هذه الاحتجاجات لإصلاح الأخطاء السابقة، وهي أخطاء إدارة أوباما التي تجاهلت الثورة الخضراء في إيران عام 2009
على الرغم من أن الانتفاضة الشعبية التي يشهدها الشارع الإيراني كانت بسبب "ارتفاع أسعار الوقود" إلا أن الشعارات والهتافات، والمقار التي أحرقت وطالت مراكز ومقار تابعة للحرس الثوري الإيراني، وإحراق صور للمرشد الإيراني، يعكس أن "ارتفاع أسعار الوقود" أدى لإخراج الغضب الشعبي المتراكم، وأن ما يقوم به الشعب الإيراني في الشوارع لا ينحصر فقط في مسألة "الارتفاع الحاصل في أسعار الوقود" بل يكاد يكون هذا السبب لا وجود له في طريق تصرفات وشعارات الشعب الإيراني في هذه الانتفاضة، ومن ثم فإن مسألة ارتفاع أسعار الوقود انصهرت في بوتقة الغضب الشعبي المتراكم، خاصة منذ الثورة الخضراء عام 2009، وأن الشعارات التي رفعت تجسد الحاجة الشعبية إلى التغيير الجذري، وليس منحصرة فقط في مسألة الإصلاحات الاقتصادية، أو التراجع عن بعض القرارات الاقتصادية.
إن إحراق الصور والتماثيل للمرشد الإيراني تعني بداية مرحلة جديدة سعى لتأسيسها الشارع الإيراني، تقوم على إسقاط القداسة التي أضيفت للمرشد الإيراني، وهذا يعني أن النظام الإيراني عليه أن يتعامل مع هذه المرحلة بأدوات جديدة، بعيداً عن أدوات القداسة لمنصب المرشد الإيراني في مجتمع يعتبر أغلبيته من الشباب الذي لم يعاصر الثورة الإسلامية، ولم يتأثر بخطابات المرشد والشعارات المسكنة، والتي تتحدث عن الإمبريالية ومواجهة قوى الاستكبار والتي يتقنها النظام الإيراني كنوع من الأدوات التي يسعى من خلالها لضمان الالتفاف الشعبي بجانبه، ما يعني سقوط أهمية وتأثير هذه الشعارات، في مجتمع أغلبيته من الشباب الذي يسعى للانفتاح على العالم، ويبحث عن دولة لا تحكمها العزلة، ولا يحكمها الشعارات التي لم تقدم شيئاً ولم تصنع نهضة حقيقية وتنمية مستدامة واقتصاداً متقدماً.
في عام 2009 كان التعويل الإيراني على القوة الأمنية في التعامل مع الاحتجاجات أو الثورة الخضراء، ولكن في احتجاجات عام 2019 سوف يختلف الأمر كثيراً، وهو أن هذه الانتفاضة سبقتها احتجاجات متقطعة قادت لكسر حاجز الصمت والخوف، وهو بالتالي ما يعني أن الشارع الإيراني مهيأ أكثر لاستمرارية الانتفاضة، هذا إلى جانب الضغط الاقتصادي الذي يعيش فيه النظام الإيراني بفضل عودة العقوبات الأمريكية والتي استهدفت ما يقارب الـ85% من الاقتصاد الإيراني، وهو ما يعني أن النظام الإيراني لن يكون قادراً على اتخاذ خطوات موسعة نحو الإصلاح الاقتصادي الذي قد يقود بشكل أو بآخر لتهدئة الشارع الإيراني، والمهم من هذا كله هو "سقف المطالب الشعبية"، الذي يعول على تغيير جذري وليس مجرد إصلاحات اقتصادية.
توفر الاحتجاجات في الشارع الإيراني فرصة مهمة بالنسبة للمجتمع الدولي لقيادة الدولة الإيرانية باتجاه الدولة الحقيقية التي تحترم المعاهدات والمواثيق الدولية، بعيداً عن دولة المليشيات التي تتقن صناعة الفوضى والإرهاب، ومن ثم التعاطي معها يجب أن يكون بأدوات جديدة ترفع من مستوى ميزان القوة لصالح الشعب الإيراني، وهو ما يعني أن على الإدارة الأمريكية أن تسعى لاستغلال هذه الاحتجاجات لإصلاح الأخطاء السابقة، وهي أخطاء إدارة أوباما التي تجاهلت الثورة الخضراء في إيران عام 2009.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة