إيران وأذربيجان.. تصعيد وخطوات استفزازية تتجاوز الرابطة التاريخية
من "الجبهة الموحدة" مرورًا بتبادل الاتهامات إلى حرب السفراء، أزمات عدة فاقمت التوتر بين إيران وأذربيجان، ودفعت بالجارتين وجهًا لوجه.
تلك الأزمات كان الطريق إليها يمر عبر بوابة إسرائيل، التي اتهمتها إيران بأنها تقف خلف التصعيد الحاصل مع جارتها أذربيجان، خاصة بعد أن رسخت تل أبيب من علاقتها مع باكو خلال الفترة الأخيرة.
فماذا حدث؟
بعد تفاقم التوتر بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورني كاراباخ، تأثرت العلاقات بين طهران وباكو سلبًا، إلا أن الهجوم على سفارة الأخيرة في إيران، في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، دفع بحالة التوتر إلى مستوى جديد.
وكان مسلح هاجم سفارة جمهورية أذربيجان في طهران وقتل ضابط أمن السفارة وجرح ضابطي أمن آخرين، مما دفع باكو إلى إغلاق سفارتها في طهران، والإبقاء على قنصليتها بمدينة تبريز شمال غرب إيران مفتوحة.
وزعمت أذربيجان على لسان كبار مسؤوليها بينهم الرئيس إلهام علييف، أن الهجوم الذي تعرضت له السفارة "إرهابي ومخطط له مسبقاً".
ورغم أن السلطات الإيرانية ورئيس شرطة طهران قالا إن منفذي هذا الهجوم كانت له أسباب "شخصية"، إلا أن باكو اعتبرته "إرهابيًا".
وتشترك محافظة أذربيجان الشرقية الإيرانية في 200 كم مع جمهورية أذربيجان و35 كم مع أرمينيا، في حين أنها المحافظة الوحيدة في الشمال التي تقع على حدود إيران مع أرمينيا.
منعطف جديد
وبعد قرابة شهرين من الهجوم على السفارة، كانت علاقات البلدين على موعد مع منعطف جديد؛ فقبل ثلاثة أيام، افتتح وزير خارجية أذربيجان جيجون بيراموف سفارة بلاده في تل أبيب خلال زيارته الرسمية الأولى لإسرائيل.
وفي لقاء له مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، قال الأخير، إن البلدين لديهما فهم مشترك لتهديدات إيران، مشيرًا إلى أن البلدين "يواجهان نفس التهديدات".
وقال كوهين، عقب الاجتماع، إن "إسرائيل وأذربيجان يجب أن تعملا سوية من أجل منع إيران من حيازة قدرة نووية"، مضيفاً: "اتفقت مع وزير الخارجية الأذربيجاني على تشكيل جبهة موحدة ضد إيران".
إلا أن تلك التصريحات لم ترق لإيران، التي طالب المتحدث باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني، في وقت متأخر من مساء الجمعة، الحكومة الأذربيجانية بتوضيح تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين التي أطلقها مؤخراً وأعلن عن تشكيل جبهة موحدة مع أذربيجان ضد إيران.
وقال كنعاني في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر على تصريحات مسؤولي جمهورية أذربيجان: طالبنا الحكومة الأذربيجانية بتوضيح تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي حول الاتفاق مع أذربيجان بتشكيل جبهة موحدة ضد إيران".
وأضاف: "لكن مسؤولي أذربيجان تهرّبوا من الإجابة وإعطاء التوضيحات اللازمة، بل أطلقوا تهماً جديدة ضدنا"، متسائلاً: "ألا يعني استمرار الصمت هذا، تأييدا ضمنيا لحلفائهم الإسرائيليين؟".
كنعاني أضاف أن هذا البلد (إسرائيل) يريد استخدام أراضي جمهورية أذربيجان لتهديد الأمن القومي الإيراني، مشيرًا إلى أن طهران لن تظل "غير مبالية بالمؤامرة الإسرائيلية على أراضي جمهورية أذربيجان".
وهذه هي المرة الثالثة خلال أسبوع التي ينتقد فيها مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى جمهورية أذربيجان بسبب علاقاتها مع إسرائيل.
واستنكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية هذه التصريحات، واصفا الرابطة التاريخية والدينية بين شعب إيران وجمهورية أذربيجان بأنها "لا تنفصم". وطالب حكومة جمهورية أذربيجان بـ"تجنب الفخ الذي يقع فيه أعداء البلدين".
وبعد يوم من افتتاح سفارة أذربيجان في إسرائيل، أعلن جهاز الأمن في باكو، بدء تحقيق في "الاعتداء الإرهابي" على فاضل مصطفى، عضو البرلمان في هذا البلد الذي لديه آراء ضد الحكومة الإيرانية.
وأصيب مصطفى بالرصاص في منزله في باكو ليل الثلاثاء بهجوم مسلح قرب منزله، بحسب تقارير صحفية.
تهديدات إيرانية
وكان العميد كيومرث حيدري قائد القوات البرية للجيش الإيراني أدلى بتصريحات مماثلة ضد جمهورية أذربيجان، قائلا في مقطع فيديو: "هناك عدة قضايا حساسة للغاية في القوقاز. أحدها وجود عناصر من إسرائيل داخل حدود هذا البلد، وإيران لا تتسامح مع وجود تلك العناصر في دول المنطقة وستواجهها".
وقال كيومرث حيدري إن "هناك مشكلة أخرى تتمثل في وجود إرهابيين سوريين تمت دعوتهم إلى المنطقة خلال حرب باكو - أرمينيا" و"القضية الثالثة هي عدم شرعية التغييرات في حدود الدولة في المنطقة".
ورداً على تصريحات حيدري، وصفت وزارة الدفاع في جمهورية أذربيجان استخدام باكو لأعضاء عناصر "داعش" في حرب كاراباخ بـ "الافتراء"، مؤكدًا على لسان وزارة دفاعها أن "هذا البيان لا أساس له على الإطلاق وغير مقبول، بشكل عام، لا يوجد عنصر أجنبي في أراضي أذربيجان".
هل ردت إيران على خطوة أذربيجان؟
اعتبرت وسائل إعلام إيرانية مقربة من الحرس الثوري الإيراني، أن تعيين السفير الإيراني السابق في سوريا مهدي سبحاني سفيرًا جديدًا في أرمينيا، كان بمثابة رد على إعلان الخطوة الإسرائيلية الأذربيجانية.
وعينت إيران يوم الخميس مهدي سبحاني، الدبلوماسي المقرب من الحرس الثوري الذي يشغل حالياً منصب سفير إيران في سوريا، سفيراً جديداً لدى أرمينيا ليحل محل عباس بدخشان.
بدورها، وصفت وسائل إعلام أذربيجانية الخطوة الايرانية بـ"الاستفزازية التي تحمل رسائل أمنية وعسكرية واضحة"، مشيرة إلى أنها "تعكس نية طهران تأسيس منظومة شبيهة بحزب الله في أرمينيا وتحويل هذا البلد الى مكان آمن للمقاومة الإسلامية الأذربيجانية الشيعية (حسينيون) المناوئة لنظام الحكم في باكو".
وتعتبر أذربيجان جماعة حسينيون جماعة إرهابية بسبب قتالها في سوريا لصالح النظام الإيراني.
وأشارت تقارير صحفية إيرانية إلى أنه في عام 2022 عينت إيران مرتضى عابدين فارامين، الذي خدم في اليمن، قنصلاً عامًا لها في مقاطعة سيونيك في أرمينيا.
وترى إيران أن إسرائيل استخدمت أراضي أذربيجان لتنفيذ هجمات داخل إيران، بينها اغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده قرب طهران في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بهجوم مسلح لم تستطع طهران التعرف على طريقته.