تكاد الأحداث في قطاع غزة تكشف المزيد من استغلال إيران ومليشياتها بالمنطقة القضية الفلسطينية على مدى عقود مضت، لأنّ السردية الإيرانية منذ تأسيس نظام الخميني وخامنئي في طهران، اعتمدت بشكل واضح على "شعارات" التحرير للأقصى والوصول للقدس.
وفي هذا الإطار، أسس نظام الملالي ما يسمى "مليشيا فيلق القدس"، وما يطلق عليه "يوم القدس العالمي" كل عام، وفكرة المقاومة والحرب على إسرائيل، التي كانت ولا تزال مجرد وسيلة لتحقيق أهداف سياسية بعيدة كل البعد عن الواقع، أضف إلى ذلك، مزايدات طرحتها مليشيات إيران في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وفي الشق السياسي الآن، جاء إبراهيم رئيسي الرئيس الإيراني إلى قمة الرياض الإسلامية العربية الطارئة قبل مدة قصيرة، ووقع على البيان الختامي للقمة، وبالتالي فإن سقف المطالب الإيرانية يتماهى كماً وكيفاً مع مطالب كل الدول التي شاركت، وهذا أمر رسمي وموثق، وحتى وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان طلب أن يكون ضمن الوفد الإسلامي العربي الذي يجول العالم بقيادة السعودية، لكنّ دولاً غربية رفضت ذلك، نتيجة العقوبات المفروضة على إيران، بسبب دعمها للإرهاب.
وأما حسن نصر الله زعيم "حزب الله"، فقد أغلق باب الجبهة المفتوحة مع إسرائيل، مكتفياً بمناوشات منضبطة، لا تعدو قصف برج مراقبة هنا، وكاميرات هناك، وتلال ومناطق مفتوحة، بأمر إيران، ومنتظراً كذلك اتفاقاً مع تل أبيب على ترسيم الحدود البرية على غرار ترسيم الحدود البحرية، برعاية أمريكية، بدأ الجميع يتحدث عنها علناً ودون خجل في ظل الحرب القائمة في غزة، وبرر نصر الله ذلك كله، بخوفه من قصف أمريكا وإسرائيل لإيران.
وبالعودة للعراق، فهناك حكومة إطارية موالية لإيران بكل ما لهذه الكلمة من معنى، بل هناك خلافات داخل منظومة المليشيات التي تقف خلف الحكومة، فهذا "الإرهابي" قيس الخزعلي زعيم مليشيات عصابات أهل الحق، يترقب مكافأة أمريكية مجزية على حسن صنيعه، نتيجة معارضته إطلاق أي صاروخ على قواعد أمريكية في العراق، وقد وعدته السفيرة الأمريكية في بغداد بدراسة "رفع اسمه" من قوائم الإرهاب الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية، إن هو استمرّ في نهجه المسترضي لواشنطن، والأمثلة كثيرة جداً، ووسائل الإعلام الغربية تفضح ذلك رويداً رويداً.
وأما مليشيات إيران الحوثية في صنعاء، فإنها تساوم بتوجيه من إيران، على تحسين وضعها وقبول الغرب بها، إن هي ذهبت نحو خيارات التوقف عن القرصنة العشوائية لسفن البضائع المدنية التي تعبر مضيق باب المندب أسفل البحر الأحمر، ولكن إسرائيل على لسان قادتها طلبت من الولايات المتحدة الأمريكية التحرك فوراً لمنع عبث الحوثيين أو قصفهم داخل مناطق سيطرتهم.
بكل الأحوال، لا يمكن إغفال التزام حكومة دمشق بقواعد الاشتباك مع إسرائيل، وضبط الحدود وعدم التدخل في شؤون الحرب على غزة، وتلك حكاية إعلاميّة سياسية تُروى بهدوء دون التوقف عندها، لأنها باتت أكثر من مجرد حقيقة موجودة لا يمكن لأحد إنكارها.
وهنا لا بد من السؤال: أين اختفت إيران؟ ولماذا تخلت عن "حماس" و"الجهاد" وغزة؟ والجواب عن ذلك أبسط من التعقيد، إن نظام إيران شريك أرباح وليس شريك خسائر، والحروب نفسها تنتهي دوماً بالمفاوضات، وسرعان ما يتوقف القتال وإن طال، ويعود الجميع إلى نقطة الصفر، إذ لا يصح إلا الصحيح، والفلسطيني الغزاوي قالها بأعلى صوته وبلهجة عامية دارجة: "بدناش حرب" أي لا نريد الحرب، ولا نريد المغامرات ولا نريد القصف .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة