إرث الخميني يمكن للناظر إلى الشارع الإيراني أن يراه متمثلا في ضائقة غير مسبوقة جعلت الإيرانيين يكفرون بكل قيمه.
تمر هذه الأيام الذكرى الثلاثين لوفاة الخميني، الرجل الذي أشعل ثورة دوجمائية، كانت منطلقا ومعينا، ودافعا وحافزا لجميع قوى التطرف والإسلام السياسي في الشرق الأوسط وحول العالم.
ما تركه الخميني من إرث سيئ السمعة والذكر لا يزال يتمثل في سياسات تهدد أمن وأمان دول المنطقة، سياسات تمضي إلى ترويع الآمنين من خلال زرع خلايا نائمة في الحال، وجاهزة للانفجار في الاستقبال، وعمليات تخريب في المياه الدولية والإقليمية، وعداوة من القاصي والداني
وفي هذه الذكرى غير العطرة يعن للمرء أن يتساءل عن الإرث الذي خلفه الخميني من ورائه، وهل كان إرثا حضاريا تقدميا أم إرثا جهنميا لم يخلف من وراء نيرانه التي اشتعلت ولا تزال إلا الرماد الذي لا قيمة له، سوى تذكير العالم بالحرائق التي أشعلها، والضحايا التي خلفها من ورائه.
أحد أفضل الذين تنبأوا باكرا جدا بأن الشرق الأوسط لن يعود مرة أخرى كما كان من قبل بعد ثورة الخميني، كان الرئيس الراحل أنور السادات، والذي استشرف مآلات الأيام، لا سيما بعد التصريح الأول للخميني تجاه مصر.
في بدايات أيام ثورته غير المباركة أشار الخميني على مصر والمصريين، وكأنه الوصي على الإسلام في العالم بالقول: "فليعلم شعب مصر أن الإسلام في خطر، وواجب على رجال مصر ونسائها أن يثوروا ضد هذه الحكومة التي أعلنت منذ البداية حربها على الإسلام".
لم يكن الإسلام في مصر هو الشأن الذي يعني الخميني، بل وجود مصر كقوة سياسية على الأرض، يمكنها عند لحظة بعينها أن تقف سدا وحدا أمام أطماع إيران السلطوية، لا سيما أنها تنطلق من جذور عرقية فارسية، عاشت ولا تزال مشاعر الفوقية الإمبريالية تجاه العرب والسنة منهم تحديدا.
بعد ثلاثين عاما من رحيل الخميني، لا يزال الإيرانيون يسيرون على دربه، فقد تطلع الرجل الهندي الأصل والجذور إلى أن يرفرف علم ثورته الدينية على العواصم العربية من القاهرة إلى الرياض، ومن دمشق إلى بيروت، أما عن مشاعره وأحاسيسه تجاه دول الخليج العربي، فحدث عنها ولا حرج، ولا سيما أن نواياه السيئة لم يكن يخفيها أو يداريها.
قبل أن يصل إلى درجة قائد الحرس الثوري الإيراني، وكان وقتها برتبة عميد، قال حسين سلامي: "إن المسؤولين في إيران لم يكونوا يتوقعون هذا الانتشار السريع للثورة الإسلامية خارج الحدود لتمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وأفغانستان".
ما قاله سلامي هو قول مكذوب ويأتي تحت عنوان التنبؤات التي تحاول تحقيق ذاتها بذاتها أو الـSelf Prophecy، ذلك أنه لا يعني وجود بعض ذيول المليشيات الإيرانية على أراضي أي من الدول السابق ذكرها، أن إيران وثورتها هما الآن من يهيمن ويسيطر على تلك الدول، وأن الثورة الإسلامية انتصرت هناك، وإن كان الأمر يعكس شهوات قلب القيادة الإيرانية في الحل والترحال من جهة، ومن جهة ثانية يلفت النظر إلى الخطط والتقديرات المستقبلية للإيرانيين، سواء في الخليج العربي أو الشرق الأوسط برمته.
أي إرث تركه الخميني للإيرانيين بعد ثلاثين عاما من وفاته؟
لا يسع المرء سوى أن يلحظ إرث المرارة والنار والدماء، الكراهية والانعزالية، تحدي وتصدي العالم، وإرهاب مستمر ومستقر سواء كان مباشرة من قبل عناصر الحرس الثوري الذي بات العالم ينظر إليه بوصفه الحرس الارهابي من جهة، أو من قبل أطرافه الممتدة حول العالم، وآخر فضائح تلك الجماعات ما كشفت عنه لندن في الأيام القليلة الماضية، من تخطيط لحزب الله ورجاله لإحداث تفجيرات هناك.
ما تركه الخميني من إرث سيئ السمعة والذكر لا يزال يتمثل في سياسات تهدد أمن وأمان دول المنطقة، سياسات تمضي إلى ترويع الآمنين من خلال زرع خلايا، نائمة في الحال، وجاهزة للانفجار في الاستقبال، وعمليات تخريب في المياه الدولية والإقليمية، وعداوة من القاصي والداني.
حين قامت ثورة الخميني لم يكن أحد من الجيران المحليين يحمل مشاعر عداء أو رفض للشعب الإيراني، بل كان ينظر إليه على أنه جار، يتوجب العيش إلى جانبه انطلاقا من الآية القرآنية الكريمة: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
غير أنه وخلال عقود أربعة عاشتها ثورة الخميني أضحت إيران بالنسبة لجيرانها القريبين رقما صعبا مكروها وممجوجا، فيما باتت بالنسبة للمحيط الدولي لها، لا سيما بالنسبة لروسيا الاتحادية والصين الشعبية، مجرد بيدق على خارطة الشطرنج الإدراكية، يتم التلاعب بها، من أجل مجابهة الولايات المتحدة الأمريكية، أما بالنسبة لإيران ذاتها، فشأنها لا يعني موسكو أو بكين من قريب أو بعيد، بل إنه لا مصلحة بالمرة لأي من هاتين القوتين الكبريين في أن تطفو إيران على السطح كقوة إقليمية نووية؛ إذ يدرك الجميع الأهداف والرؤى العقدية المختبئة وراء ناعم الكلام وحلو الحديث، لا سيما أن شرعتهم الحقيقية تتمثل في التقية، تلك التي تحاول خداع الجميع لحين التمكن من الأرض.
إرث الخميني القاتل يمكن رؤيته بالعين المجردة اليوم في الزخم الذي أورثه لجماعات الإسلام السياسي، تلك التي وجدت تشجيعا واحتفاء غير مسبوقين على الأراضي الإيرانية في زمن الخميني، ومن بعده، وليس أدل على ذلك من تسمية أحد أكبر شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس السادات، في إشارة لا تخطئها العين للدعم الذي وجدته الجماعة الإسلامية الإرهابية هناك، وهي التي خرجت من حضن جماعة الإخوان المسلمين، الأم والحاضنة الكبرى لجميع التيارات الإرهابية في العقود الأربعة التي واكبت حياة وموت الخميني.
لم يكن غريبا أو مثيرا أن تضحى إيران نقطة مقر وممر إلى أفغانستان في زمن تصاعد مد القاعدة ومن لف لفها في شرق آسيا، ويعلم القاصي والداني أنها تلاعبت بتلك الجمعات في صراعاتها الفوقية، ومناوراتها السفلية مع الجانب الأمريكي، لتحقيق أكبر منافع لها، حتى وإن جرى ذلك على حساب أمن وأمان العالم دفعة واحدة.
والشاهد أن إرث الخميني تتكشف أبعاده بعد ثلاثين عاما من موته، وهناك جزئية بعينها تحتاج إلى دراسات وأبحاث مفصلة قائمة وقادمة عن علاقة الرجل بالولايات المتحدة الأمريكية، تلك التي درج على تسميتها دائما وأبدا بـ"الشيطان الأعظم"، في حين تثبت العديد من وثائق الأمن القومي الأمريكي التي أفرج عنها بمقتضى الفترة الزمنية المحددة مؤخرا أن الخميني تواصل سرا مع إدارة جيمي كارتر، آملا في الحصول على مساندة واشنطن للخلاص من الشاه، وأبدى رغبته في التعاون لاحقا، وعلى من يريد الاستزادة أن يقرأ كتاب حلف المصالح المشتركة للإيراني الأصل الأمريكي الجنسية "تريتا بارزي".
إرث الخميني يمكن للناظر إلى الشارع الإيراني أن يراه بأم عينه، متمثلا في ضائقة غير مسبوقة، جعلت الإيرانيين عينهم يكفرون بكل قيم ثورة الخميني المنحولة، ويتطلعون إلى ساعة الخلاص منها.
إرث الخميني رماد لا يصلح لشيء، إلا أن يطرح خارجا ويداس من الناس.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة