لا تعرف دولة الملالي العيش في أمان أو سلام، إنها مدفوعة بدافع قسري يجعلها ترتكب أخطاء فادحة في حق نفسها وشعبها
ما هو التساؤل الحقيقي الذي يجيب عليه الواقع "على من تتجسس إيران؟ أم على من لا تتجسس إيران؟".
لا تعرف دولة الملالي العيش في أمان أو سلام، إنها مدفوعة بدافع قسري يجعلها ترتكب أخطاء فادحة في حق نفسها وشعبها، أخطاء هي أقرب ما تكون إلى الخطايا التي لا تغتفر، لا سيما إذا كان الهدف الرئيسي من وراء عمليات تجسسها على الآخر ليس الحفاظ على أمنها القومي بل إلحاق الضرر بالآخر، وضمن مخططاتها السيئة الساعية إلى تحقيقها، سواء تعلق الأمر بالإقليم أو العالم برمته دفعة واحدة.
تظهر فضائح التجسس الإيراني يوماً تلو الآخر على دول العالم، الأمر الذي يعني أنه ليس هناك فائدة ترجى من أن ينصلح حالها، أو أن ترتدع عما هي ماضية في طريقه، وما تبين في الداخل الأمريكي قبل أيام معدودات يؤكد وبما لا يقبل مجالا للشك النوايا الإيرانية السيئةتظهر فضائح التجسس الإيراني يوماً تلو الآخر على دول العالم، الأمر الذي يعني أنه ليس هناك فائدة ترجى من أن ينصلح حالها، أو أن ترتدع عما هي ماضية في طريقه، وما تبين في الداخل الأمريكي قبل أيام معدودات يؤكد وبما لا يقبل مجالا للشك النوايا الإيرانية السيئة تجاه القاصي والداني على حد سواء.
إن آخر فصول التجسس البشري الإيراني على الولايات المتحدة الأمريكية تكشف رغبة دفينة في نفوس الملالي لإلحاق أكبر الأضرار بواشنطن، ولهذا تسعى إلى تجنيد بعض من ضعاف النفوس من المواطنين الأمريكيين لتحقيق أهدافها، لا سيما إذا كانوا من قلب المؤسسة الأمنية أو العسكرية الأمريكية.
المشهد الذي نحن في صدده يتعلق بتجنيد إيران "مونيكا ويت"، إخصائية مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات التابع للقوات الجوية الأمريكية، والتي خسرت ولاءها لبلادها مقابل إغراءات الحرس الثوري الإيراني، وقدمت للإيرانيين معلومات سرية للغاية تتعلق بأفراد سابقين وحاليين في الحكومة والجيش الأمريكي، وقدمت لطهران معلومات على طبق من ذهب حول البرمجيات والأجهزة الخاصة بالتجسس التابعة لسلاح الجو الأمريكي، والهويات الحقيقية للمخبرين الإيرانيين الذين يتعاونون مع الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وتعد تفاصيل القصة الخاصة بـ"ويت" مثيرة للغاية، خصوصاً أنها تكشف لنا عن وجه خطير لإيران، التي يتصاعد شرها يوما تلو الآخر، ويجزم المراقبون والمحللون أنها في الطريق لأن تضحى ندا للصين في عمليات التجسس السيبراني، والذي يسمح لها بمهاجمة خصومها لتحقيق غايات عالمية.
التجسس لا يفيد، ولن يفيد إيران المذعورة من العقوبات الأمريكية بشكل خاص، والعالمية بشكل عام، وقد بدا واضحا في مؤتمر وارسو أن الإيرانيين يخسرون كل يوم جزءا أو عدة أجزاء من نفوذهم في المنطقة، بعدما تكشف للقاصي والداني أنهم خطر حقيقي على أمن واستقرار العالم.
لماذا تسعى إيران تحديدا لاختراق الولايات المتحدة الأمريكية، سواء عبر عناصر بشرية خائنة أو من خلال اختراق الشبكات والأنظمة السيبرانية الأمريكية؟
قبل أن ينتهي ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت الأخبار المتواترة في الداخل الأمريكي تشير إلى وجود عملية هجومية واسعة النطاق شنها عدد من القراصنة التابعين لمجموعة غالباً ما تلقب بـ"تشامنغ كيتن" تابعة لإيران، ضد أكثر من 12 مسؤولا أمريكيا في وزارة الخزانة الأمريكية.
لكن لماذا استهدف الهجوم وزارة الخزانة الأمريكية؟
باختصار، لأنها هي الجهة المنوط بها متابعة العقوبات الاقتصادية على إيران، وقد خيل للإيرانيين أنه عبر اختراق حسابات هؤلاء يمكنهم الوصول إلى معلومات حول ما سيحدث لاحقاً، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد حالة من الرعب الداخلي بسبب تمرد الإيرانيين على الملالي، ورفضهم المستمر الهيمنة الفاسدة لرجال السلطة، التي أفقرت الشعب وجعلت البحث عن لقمة العيش عملية عسيرة، في بلد مليء بالثروات التي استغلها النظام من أجل مغامرات خارجية فاشلة.
لم تتوقف محاولات التجسس الإيرانية عند حدود مسؤولي وزارة الخزانة الأمريكية، بل تجاوزتها للوصول إلى كبار الشخصيات الأمريكية الرافضة لمنهجها الإرهابي المعولم، فيما ركز عملها التجسسي بشكل أدق على مجموعة من العلماء النوويين الذين يمتلكون خبرات واسعة في هذا المجال في الداخل الأمريكي، وبنوع خاص من أبناء العرب المقيمين في الولايات المتحدة.
هل لإيران ونظامها أصدقاء يوفرونهم من التجسس عليهم؟
لا يوجد ذلك أبداً، فعلى الرغم من الخدمات العديدة التي قدمها الروس لها، سواء تلك المتعلقة ببرامجها النووي أو الدور المساند لها في سوريا، إلا أنها وفي نهاية المطاف تتجسس على أقرب الحلفاء لها، وعلى الروس في سوريا تحديدا، وهو ما انكشف بعدما هرَّبت جهات استخباراتية إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني أحد جواسيسها الملاحقين من المخابرات الروسية، من دمشق إلى طهران، بشكل سري، ويدعى "الحاج أبو أيهم"، والذي قاد أكبر عملية تجسس لصالح الإيرانيين في سوريا ضد الروس والنظام في مقر قيادة "الأركان العامة"، والتي تسيطر موسكو عليها بشكل كامل.
تجسس طهران على موسكو في سوريا دفع الروس في بداية الأمر لإجراء تبديلات على مستوى ضباط الصف الأول في مطار دمشق الدولي، وتبديلات أخرى طالت الضباط على الحدود مع لبنان، ثم تعدى الأمر ليصل إلى مواجهات عسكرية مسلحة بين الروس والإيرانيين، وأكد ذلك للجميع أن هناك انقلابا روسيا على إيران في الداخل السوري، ما يعني أن عمليات تجسس إيران سببت لها خسارة حليف قوي وكبير.
أما الأوروبيون بدورهم فهم في طريقهم للاستيقاظ من أوهام إيران التي لا يمكن أن تستقيم أحوالها، فقد اكتشفوا ومن جديد المخاطر الإيرانية على أمنهم الداخلي، سواء كان ذلك من بعيد وعبر الفضاء الإلكتروني، أو على أرض الواقع ومن خلال أعضاء الحرس الثوري المتدثرين في ثياب دبلوماسيين من أجل أعمال الحصانة الدولية.
قبل فترة أكد وزير الداخلية الألماني "هورست زيهوفر" أن إيران زادت من قدراتها الهجومية الإلكترونية على بلاده حتى أضحت أحدث سلطة في عمليات تكثيف الهجمات الإلكترونية، مصطفة بذلك إلى جوار الصين وروسيا اللتين تشكلان أكبر التهديدات الإلكترونية والتجسسية لألمانيا.
وما يجري في ألمانيا ينطبق أيضاً في الداخل الفرنسي والبريطاني وبقية عموم أوروبا دون تفريق، فالهدف واحد وهو التمكين لآيات الله ولو كذبا وزورا وتجسسا، وهذا ما كشفت عنه صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية منذ أسبوع تقريبا، حين أشارت في تقرير أخير لها إلى أن إيران شنت حملة تجسس إلكترونية استهدفت الكيانات الدبلوماسية الأجنبية في البلاد، بما في ذلك دبلوماسيون فرنسيون ومن دول في الشرق الأوسط، ونصحت الصحيفة الفرنسية أي شخص يدخل سفارة باريس بطهران بالتخلي عن الهاتف عند المدخل، بل أحيانا الأجهزة الإلكترونية الأخرى، حتى لا يكون ضحية حملة التجسس، بعدما اتضح تجسسهم على دبلوماسيين فرنسيين.
لا تعرف إيران في ظل نظامها العيش دون النوايا السيئة أنها تتهيأ للسقوط، الخلاصة.. الجاسوسية لا تفيد إيران في تجنب المصير المظلم عما قريب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة