دعونا نعود بالذاكرة إلى قبيل الثورة الإيرانية المشؤومة التي ظهرت على سطح الشرق الأوسط العام 1979.
دعونا نعود بالذاكرة إلى قبيل الثورة الإيرانية المشؤومة التي ظهرت على سطح الشرق الأوسط العام 1979، مع مرور أكثر من أربعة عقود كانت وما زالت أكبر كارثة سياسية ودينية عرفتها هذه المنطقة من العالم، فقد تخلق منها كل هذا الدمار الطائفي والتردي الاقتصادي والإرهاب بالوكالة الذي يحيط بنا، ومنها تناسلت أنظمة إرهابية كالنظام القطري ومنظمات إرهابية إجرامية كحزب الله والحوثيين والقاعدة وداعش، وتحالف النظام في طهران مع تنظيمات إرهابية كالإخوان المسلمين وحماس والجهاد الإسلامي.
إذن من أتى بالقوات الأمريكية والغربية لمنطقة الخليج ليست السعودية، فهي لم تستيقظ ذات صباح لتطلب من واشنطن جلب قواتها، ولا واشنطن وباريس ولندن من هوايتها جمع الطوابع المرسوم عليها الخليج العربي
يوم واحد قبل نزول الخميني من طائرته قادماً من باريس لم يكن في المنطقة جندي غربي واحد، وكل ما كان موجوداً بضع مئات من مدربين وخبراء وموظفي صيانة أمريكيين وفرنسيين وبريطانيين بما في ذلك إيران نفسها التي كانت تتمتع بعلاقات مميزة مع الأمريكان تحديداً.
لكن وفي ظلال الصدام العنيف الذي أحدثه نظام الملالي في طهران مع الغرب ومع جيرانه، بدءاً من محاولة احتلال الأجزاء الجنوبية من شط العرب العراقي 1980، ومروراً بزعزعة استقرار البحرين، وليس انتهاء بالتفجيرات الانتحارية في لبنان أواسط الثمانينيات والخبر شرق السعودية أواسط التسعينيات، فضلاً عن التدخل المخابراتي في الشؤون الداخلية للسعودية والكويت والبحرين والسودان والمغرب، وتشكيل تنظيمات عابرة تدين «بالتشيع السياسي» لطهران وتدور في فلكها وتنفذ أجنداتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لم تعرف منطقة الخليج العربي قبل قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية أي توترات عكرت طرق الطاقة، بل بقي الخليج نائياً بنفسه عن أي صراع دامٍ في المنطقة، ومحافظاً على إمدادات نفطية مستقرة للعالم.
إلا أن الإيرانيين بتصرفاتهم الطائشة ومحاولة تصدير الثورة، دفع بالمنطقة إلى دخولها في صراع وجود لم يعد من الممكن السيطرة عليه، إنه عش الدبابير الذي فقأته طهران وعليها وعلى من انخرط معها أن يتحمله.
بين الأعوام 1984- 1988 قامت القوات البحرية الإيرانية وعبر قواربها السريعة باستهداف منظم وممنهج لناقلات النفط الخليجية، ما دفع بالكويت لاستنجاد الدول الغربية لرفع أعلامها على ناقلاتها، وهو ما حصل عندما وافقت روسيا وعدة دول أوروبية أخرى على تأجير سفنها، معنى ذلك أن تلك السفن أصبحت تحت الحماية الدولية، وهذا دفع الدول الغربية إلى استدعاء حاملات طائراتها وغواصاتها وسفنها البحرية، ما جلب بالتالي أعداداً كبيرة من الجنود والمستشفيات العائمة، وإنشاء مخازن للسلاح ثم بناء القواعد العسكرية الدائمة.
ولم تتوقف طهران عن أعمالها العبثية في المنطقة التي خلقت حالة وجود غربية دائمة لا يزيدها وصول 500 جندي أمريكي للسعودية قبل أسابيع ولا ينقصها.
اليوم ومع وصول الخبراء العسكريين الأمريكان للمملكة للمساهمة في دعم المجهود العسكري للرياض، وتحملاً من واشنطن لدورها في حماية الملاحة البحرية، تعلو نفس النغمة -المزورة- التي سمعناها في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات الميلادية من جورج حبش وميشيل عفلق ونايف حواتمة ونزار قباني وغسان كنفاني، وكل مطلقات وكل ساقط ولاقط من أيتام الأمصار وعرب الشمال، بأن الرياض هي من جلب قوات الغرب الإمبريالي للمنطقة، وكأن الخليج والعالم العربي لا يزالان بكراً لم تطأهما أقدام «أجنبية»، وكأن سوريا لا يوجد في غوطتها المجندات الروسيات منذ بداية السبعينيات، وإلى جانبهن الآن الفرنسيات والأمريكيات، وكأن العراق لا يزال نخيله طاهراً لم يتكئ عليه جنود 30 دولة غربية، وكأن ليبيا لا توجد بها قواعد أمريكية وفرنسية، وهم كذلك يتناسون عن سابق إصرار وترصد مجندات المارينز في قاعدة العديد القطرية التي يوجد بها أكثر من 20 ألف مجند ومجندة يسكنون بيوتاً أفضل من بيوت القطريين.
إذن.. مَنْ أتى بالقوات الأمريكية والغربية لمنطقة الخليج ليست السعودية، فهي لم تستيقظ ذات صباح لتطلب من واشنطن جلب قواتها، ولا واشنطن وباريس ولندن من هوايتها جمع الطوابع المرسوم عليها الخليج العربي، إن من جلب القوات الغربية وأعطاها المبرر لحماية مصالحها وعلى وجه الخصوص إمدادات الطاقة هي إيران وحلفاؤها في المنطقة، كما فعل ذلك صدام حسين من قبل عندما دخل الكويت من جنوب البصرة عنوة، وهلل له عوام العرب مبرراً قدوم نصف مليون جندي غربي.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة