بابل.. نموذج لجرائم "الحشد الشعبي" في تغيير ديموغرافيا العراق
مجلس المحافظة التي تسيطر عليها مليشيات الحشد قررت منع عودة النازحين في جرف الصخر، فيما قال تحالف سُني إن "إرادات خارجية" تُملي ذلك.
مع انقشاع غبار "داعش" شيئا فشيئا عن العراق، تتبدى حقيقة التغيير الديموغرافي في تركيبة السكان الجارية منذ سنوات خاصة في المناطق السُنية، الواقعة على طريق الممر الإيراني البري الذي يشق العراق باتجاه سوريا.
ومن تلك المناطق محافظة بابل، خامس أكبر محافظات العراق، والمسيطر عليها من جانب مليشيات "الحشد الشعبي" الموالية لإيران منذ 3 سنوات بحجة حمايتها من عودة "داعش" إليها.
لكن يبدو أن الهدف الحقيقي هو منع عودة سكانها الأصليين الذين أُجبروا على الفرار، بزعم أنه وضع مؤقت، حتى الانتهاء من المعارك مع التنظيم الإرهابي.
فقد صرح عضو تحالف القوى العراقية رعد الدهلكي، الجمعة، بأن عملية تغيير تركيبة السكان تجري بشكل واسع في محافظات ديالي وجرف الصخر (ببابل)، وحزام بغداد، ومحافظتي صلاح الدين ونينوى، كبرى محافظات البلاد.
وفي تصريحات لموقع "السومرية نيوز" اعتبر الدهلكي أن هذا التغيير في تركيبة السكان يتم بعلم الحكومة ووفق "إرادات خارجية".
وقال: "التغيير الديموغرافي حصل وما زال يحصل، وحتى الأعمى يستطيع رؤيته، كما حصل في ديالى وجرف الصخر وحزام بغداد وفي صلاح الدين، كما أصبحت لمساته واضحة في نينوى".
ووصف الدعوات إلى المصالحة بأنها "لا تتعدى كونها عناوين وشعارات وولائم ومؤتمرات ولا جدوى منها طالما كانت إرادات خارجية تعمل على إبقاء النزعة الطائفية ومنع العوائل من العودة إلى مناطقها بقوة السلاح".
وجاءت تصريحات الدهلكي في ظل حالة غضب من قرار محافظة بابل، وسط العراق، بمنع عودة النازحين إلى ديارهم، خاصة في ناحية جرف الصخر.
وزادت المحافظة على ذلك بأمر غريب من نوعه، وهو أن رئيسة اللجنة القانونية في مجلس بابل أحلام راشد، أعلنت، الأربعاء الماضي، مقاضاة أية جهة حزبية أو سياسية تدعو إلى عودة النازحين.
وبررت المسؤولة ذلك بارتفاع نسبة الهجمات التي تطالب القوات الأمنية ومليشيات الحشد الشعبي، ملمحة إلى أن ذلك يتم بسبب النازحين.
ورد تحالف القوى العراقية على ذلك بأن قرار مجلس بابل "لا قيمة له قانونيا" و"مخالف للدستور".
ولفت رئيس تحالف القوى العراقية النائب صلاح مزاحم الجبوري النظر إلى أن "ناحية جرف الصخر تم تحريرها منذ ما يقارب الـ3 أعوام، ولم يُسمح لأهلها بالعودة إليها، وأن المنطقة خالية من السكان حاليا وجميع المناطق المجاورة لها محررة ومستقرة أمنيا".
وعلى ذلك أكد أن سبب منع النازحين من العودة سياسي وليس أمنيا بهدف التغيير الديموغرافي.
وأُخليت بلدة جرف الصخر من سكانها البالغ عددهم 120 ألف نسمة أغلبهم من العرب السّنة، عام 2014، وهي تكتسب أهمية استراتيجية بالغة، نظرا لطبيعتها الجغرافية الصعبة وموقعها المهم الذي يربط بين المحافظات الغربية والوسطى والجنوبية، وفق تقييم شبكة "رووداو" العراقية.
و"تحالف القوى العراقي" تأسس في يوليو/تموز الماضي من مكونات حزبية ونيابية سنية لمواجهة مرحلة ما بعد "داعش"، خاصة مع تزايد نفوذ مليشيا الحشد الشعبي والقوى الحزبية المؤيدة له.
وسبق أن أعلن التحالف ونواب عراقيون وسكان في بابل، في يوليو/تموز الماضي، أن مليشيات "الحشد الشعبي" حددت مهلة 24 ساعة لأهالي مناطق شمالي بابل، خاصة المكون السني، للرحيل عنها، مهددة إياهم بالقتل في حال تأخرهم في التنفيذ.
وقال النائب عن تحالف القوى العراقية، أحمد السلماني إن أبناء المكون السني في شمال بابل يتعرضون لحملات طائفية ممنهجة؛ تمثلت بخطف ما يقرب من 1000 شخص، وقتل المئات خلال الأعوام الـ3 الأخيرة ومنع 100 ألف نازح من العودة "عبر سلسلة عمليات منظمة جهارا نهارا".
من جانبه، ذكر مسؤول بالشرطة المحلية أن فصائل العصائب والخراساني والإمام علي وحزب الله التابعة للحشد، تركت منشورات في عدة بلدات من شمالي بابل تطالب السكان بالرحيل أو مواجهة القتل، وأن من يبقى منهم في أية قرية سيعلقون رأسه عند محطة ضخ المياه بداية القرية.
ويعد تدمير المدن، مساكن ومرافق ومؤسسات، من الجرائم الأساسية التي يرتكبها الحشد الشعبي في المدن التي تسقط في يده.
ووفق ما كشفت عنه الأحداث على الأرض وتصريحات قيادات بالحشد الشعبي؛ فقد اتضح أن الأخير يحرص على وضع يده على المدن التي تقع على طول الممر الإيراني البري الذي تخطط له طهران منذ سنوات.
وهذا الممر يعبر من طهران ويشق الحدود العراقية عبر بعقوبة في ديالي، ويسير في وسط وشمال العراق ليصل إلى نينوى على الحدود مع سوريا، ثم يخترقها إلى دير الزور حتى يصل إلى اللاذقية على ساحل البحر المتوسط، وكذلك ينحرف جنوبا إلى بيروت.
ويهدف هذا الممر إلى تأمين مناطق جغرافية واسعة، سكانها موالون لطهران، تتحرك عبرها المليشيات الإيرانية بسهولة عبر البلاد الأربعة، دون مراقبة أو محاسبة.
وكذلك تسهل مرور القوافل الاقتصادية الإيرانية بأسعار رخيصة، ووضع كل تلك المنطقة تحت النفوذ الإيراني الاحتلالي.