خبراء يكشفون لـ«العين الإخبارية» رسائل وأهداف زيارة بزشكيان للعراق
زيارة قادت الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق حملت في طياتها الكثير من الرسائل والدلالات.
فبزشكيان اختار العراق ليكون أول محطة خارجية يزورها منذ انتخابه في مطلع يوليو/تموز الماضي عقب مصرع سلفه الرئيس السابق إبراهيم رئيسي جراء تحطم مروحيته الرئاسية في شمال غرب إيران.
رافق بزشكيان وفد سياسي واقتصادي كبير خلال زيارته التي تستمر 3 أيام للعراق والتي بدأها أول أمس الأربعاء ببغداد ثم بزيارة إقليم كردستان شمال العراق كما شملت محافظتي كربلاء والنجف وبعدها ستكون محطة الختام محافظة البصرة جنوب العراق المحاذية لإيران وهي شريان العراق الاقتصادي.
وأجرى بزشكيان مباحثات مكثفة مع المسؤولين العراقيين في الملفات المشتركة، وترأس الرئيس الإيراني ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وفدي البلدين في الاجتماعات الموسعة التي عُقدت في قصر الحكومة ببغداد حيث جرى مناقشة أوجه التعاون المشترك وبحث الاتفاق الأمني إلى جانب تفاهمات أخرى تتعلق بمجالات الصناعة التكريرية والطاقة والشراكة في القطاع الخاص بالبلدين، بحسب بيان الحكومة العراقية.
وعلى جانب تلك المباحثات، وقع البلدان 14 مذكرة تفاهم تتمحور في مجال الأمن والاقتصاد والزراعة والتجارة والثقافة والإعلام والاتصالات والسياحة والتعليم إلى جانب التعاون في المناطق الاقتصادية الحرة بين البلدين.
مراقبون ومسؤولون من العراق وإيران، وصفوا زيارة بزشكيان إلى بغداد بأنها خطوة لانفتاح طهران نحو العالم يتبناها بزشكيان القادم من الجناح الإصلاحي والمتطلع نحو نسج علاقات وطيدة لبلاده مع مختلف الدول في السياسة والأمن والاقتصاد بما فيها العراق وإنهاء الخلافات مع إقليم كردستان العراق.
ماذا وراء الزيارة؟
تقول طهران إن العراق ركيزة أساسية في علاقات إيران الخارجية سياسياً واقتصادياً، وسياسياً يعتبر العراق جسراً حيوياً للتواصل مع بعض الدول الغربية من بينها الولايات المتحدة، ودائماً كانت تقوم بغداد بدور الوسيط الناجح، بحسب مصدر سياسي عراقي رفيع المستوى تحدث لـ"العين الإخبارية".
وأضاف أن "طهران لديها سلطة كبيرة على الفصائل المسلحة المندرجة ضمن ما يسمى بمحور المقاومة، كما أن إيران لديها علاقات واسعة مع القوى السياسية لا سيما الإطار التنسيقي الحاكم".
وأوضح أن العراق يعد أكبر شريك اقتصادي وتجاري لإيران حيث تصل حجم الصادرات سنوياً إلى 10 مليارات دولار، إضافة إلى ملف الغاز والكهرباء وقضية أمن الحدود.
وبحسب المصدر ذاته فإن "هناك مافيات سياسية تابعة لبعض القوى السياسية التي لديها علاقة قوية مع طهران هي التي تقود عملية تهريب الدولار الأمريكي في العراق".
وأشار إلى أن "السوداني طرح على بزشكيان قضية استهداف الجماعات الكردية المعارضة للنظام في إقليم كردستان شمال العراق واستمرار القوات الإيرانية بقصف بعض المناطق بين حين وآخر، كما بحث معه قضية الفصائل الشيعية المسلحة خصوصاً بعد الاتفاق بين بغداد وواشنطن على انسحاب قوات التحالف الدولي".
ووفق المصدر ذاته فإن "السوداني أبلغ بزشكيان بأنه يجب أن يُبعد العراق عن الرد الإيراني المرتقب ضد إسرائيل على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران"، مشيرا إلى أن السوداني طلب من بزشكيان الضغط بشأن هذا الملف لعدم مشاركة الفصائل العراقية في الرد الإيراني.
واعتبر المصدر العراقي أن "زيارة بزشكيان مهمة في توقيتها وملفاتها وسقف التوقعات المنتظرة منها، وإن الحكومة العراقية ستحرك الملفات المقلقة لها".
الزيارة والهجمات والملفات المعقدة
الناشط السياسي من إقليم كردستان محمود ياسين قال لـ"العين الإخبارية"، إنه لا يرى تأثيرا كبيرا لهذه الزيارة على هجمات الفصائل العراقية المدعومة من طهران ضد القوات الأمريكية أو المصالح الإسرائيلية في المنطقة؛ "لأن بزشكيان لا يمثل الجناح المسؤول عن هذا الملف".
وقال ياسين إن توزيع الأدوار والمسؤوليات داخل نظام إيران واضح، فالرئيس لا يمثل هذا الجناح المسؤول عن الفصائل والهجمات والقوات المسلحة، فالحرس الثوري وتحديداً فيلق القدس المرتبط بالمرشد علي خامنئي له هذه المسؤولية".
وأضاف أن "هذه الملفات تتعلق بالمفاوضات والتفاهمات المباشرة وغير المباشرة بين طهران وواشنطن، وموضوع الهدنة التي ينتظرها العالم في غزة والانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولكن زيارة الرئيس بزشكيان سيكون لها تأثير على بغداد وإقليم كردستان، لأن قبل هذه الزيارة كان هناك اجتماعات وزيارة للمجلس الاقتصادي للحكومة العراقية إلى أربيل وحصلت تفاهمات عديدة بين حكومة بغداد وأربيل".
وعن تأثير هذه الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني على إقليم كردستان الذي كان عرضة للهجمات الإيرانية في الفترة الماضية، قال: "سيكون لها تأثير كبير، والحزب الديمقراطي الكردستاني يريد تصفير المشاكل مع إيران ويؤمن الأمن القومي الإيراني قبل إجراء انتخابات برلمان كردستان المقررة أواخر الشهر المقبل، وهي انتخابات ستجرى تحت إشراف بغداد، وهذا الموضوع جداً مهم بالنسبة للحزب الديمقراطي".
وأضاف ياسين: "قبل زيارة بزشكيان تم إبعاد كل الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني ونقلهم إلى 6 مخيمات، من بينها 4 في أربيل و2 في محافظة السليمانية وتم إغلاق أكثر من 77 مقراً أو نقطة عسكرية تابعة للأحزاب الكردية المعارضة في الشريط الحدودي بين إقليم كردستان وإيران".
وأشار إلى أنه تم تفجير العديد من المعسكرات التابعة للمعارضة الإيرانية في جبال إقليم كردستان ومن الصعب أن تصل إليها القوات العراقية أو البيشمركة أو حرس الحدود العراقي وهذه القضية كبيرة بالنسبة لإيران وممكن أن تقوم إيران بفتح منافذ جديدة مع إقليم كردستان وهو من مصلحة إيران.
واعتبر ياسين أن "إيران تستفاد من إقليم كردستان العراق للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة وهذا من مصلحة إيران اقتصادياً، وأعتقد أن محصلة هذه الزيارة سيكون لها تأثير على إقليم كردستان أكثر من بغداد أو التأثير على الفصائل المسلحة".
ونفى وجود مقرات أو أنشطة لجهاز الموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان كما تزعم طهران، وقال "هذا الموضوع أعتقد سوف ينتهي بعد هذه الزيارة وسوف يفتح صفحة جديدة لعلاقات بين إقليم كردستان وإيران، وزيارة الرئيس الإيراني إلى السليمانية بعد أربيل تؤكد عمق العلاقات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وطهران وخصوصاً عائلة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني والوضع الجديد الذي حدث في السليمانية وهذه هي رسالة أن إيران ستدعم حلفاءها الأكراد من ضمنهم الحليف القوي الحزب الاتحاد الوطني الكردستاني".
الزيارة كانت مقررة مسبقا
بدوره، اعتبر المحلل السياسي العراقي، عقيل حامد العبادي أن "الزيارة ليست وليدة هذه الأيام، بل كانت معدة بذات الجدول والاتفاقيات قبل وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي بفترة وكان من المقرر أن يقوم بهذه الزيارة بعد ثلاثة أيام من واقعة الحادثة".
وقال العبادي لـ"العين الإخبارية"، إن "بزشكيان قام بهذه الزيارة بنفس النهج الذي تعلنه إيران عن أهمية العراق والاحترام الكبير للشعب العراقي، ولا توجد أمور مخفية حتى نستنتج بعض القضايا وهي زيارة معلنة ولا توجد ملفات معقدة وشائكة بين بغداد وطهران".
ثنائية تعامل إيران مع العراق
من جانبه، قال إياد العنبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، "الكثير من القضايا التي نتعامل بها مع إيران غير واضحة، نحن نتعامل مع إيران كدولة، ولكن بنفس الوقت هل إيران تتعامل معنا كدولة عراقية أو دول وفصائل مسلحة، هذه نقطة خطيرة وهذه الثنائية يدركها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأضاف لـ"العين الإخبارية" أن "المشكلة هي العلاقات غير الرسمية مع الكيانات الموازية والجماعات المسلحة أو قوى سياسية فهذا الوجه غير الرسمية، فمن هو القادر على ضبط ذلك؟".
واعتبر أن هذه الزيارة في أبعادها ودلالاتها هي تبعث برسالة إيران أكثر من دلالة للعراق والجانب الثاني هو جانب الملفات الرسمية المتعلقة بالمهام المحددة لرئيس إيران، أما ملفات الفصائل العراقية والرد الإيراني والتواجد الأمريكي لا يرتبط بمنصب رئيس الجمهورية في إيران، وغيرها لا يتم بحثها مع رئيس الجمهورية وليس من صلاحيته بل من صلاحيات الحرس الثوري والمرشد علي خامنئي".
وأشار إلى أن "تدخلات إيران في دول اليمن وسوريا ولبنان وغيرها هي في الأعم الأغلب لا تكون في العناوين الرسمية بل تكون عبر لجان ومكاتب".
وقال إن "فيلق القدس لا يخضع لسلطة رئيس الجمهورية في إيران، والرئيس الإيراني أراد بعث رسالة للمنطقة مفادها بأن إيران هي العمق الاستراتيجي للعراق"، معتبراً أن قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني عادة ما يحسم الكثير من الملفات مثل تشكيل الحكومة والخلافات السياسية.
واعتبر العنبر أن "دور قاآني في العراق أهم من الرئيس الإيراني وتأثيره على الملفات العراقية أكثر حسماً، وملف الفصائل ليس ضمن صلاحية الرئيس الإيراني ولا يمكنه مناقشتها مع العراق".
aXA6IDMuMjM3LjE1LjE0NSA= جزيرة ام اند امز