تأهب بالشرق الأوسط.. هل يُترجم الردّ الإيراني «وحدة الساحات»؟
وسط ترقب لرد إيراني وشيك على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، يدخل مفهوم "وحدة الساحات" الاختبار الأبرز.
وتتهم طهران إسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال هنية بعد ساعات من إعلان تل أبيب اغتيال رئيس أركان حزب الله اللبناني فؤاد شكر في غارة استهدفت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
وتشير تحليلات إلى إمكانيّة تنسيق ردّ في إطار ما بات يعرف بـ"وحدة الساحات" التي برزت بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، وفتح جبهة جنوب لبنان من قبل الحزب الله مطلقًا عليها اسم "جبهة الإسناد".
ورأى مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر أنّ الردّ الإيراني المنتظر إن أتى، سيكون لردّ الاعتبار لأنه ليس من مصلحة طهران الاستراتيجية اليوم توسعة الحرب.
وقلّل من أهميّة تزامن الردّ المرتقب من قبل إيران وحزب الله على إسرائيل، موضحًا أنّ المواجهة اليوم باتت بشكل مباشر مع طهران،
ولم يستبعد أن يأتي الرد الإيراني خارج إطار الشرق الأوسط، عبر استهداف مصالح إسرائيليّة خارجيّة.
كما أوضح نادر لـ"العين الإخباريّة" أنّ الضربة الإيرانيّة قد لا تحصل، وإن حصلت ستكون محسوبة بشكل لا يُعطي ذريعة لإسرائيل لتقوم بردّ على الردّ، ولحثّ شركائها في الخارج على مواجهة إيران.
أمّا بالنسبة إلى حزب الله فلفت إلى أنّه ومن خلال الطريقة التي يتصرّف بها إلى حدّ اليوم فهو يحاول أن يُبقي الأمور مضبوطة، معتبرًا أنّ المبادرة أصبحت عند الإسرائيليين وبالنسبة لهم هذه هي اللحظة المناسبة لتغيير قواعد الاشتباك، التي كانت قائمة قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وهنا يكمن السؤال حول "هل سيتمّ فرضها بالطرق العسكريّة إن لم يستجب حزب الله أو سيستجيب الحزب بشكل أو بآخر"؟
وغداة الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي فتح حزب الله الجبهة اللبنانية لكن ضرباته والردود الإسرائيلية عليها ظلت تحت سقف قواعد الاشتباك المستقرة بين الجانبين منذ آخر مواجهة كبرى بينهما في 2006.
وقال نادر إنّ هناك قرارًا إسرائيليًا بإغلاق الجبهة في الشمال عند الحدود مع لبنان، والتي كانت عبارة عن صندوق بريد يستخدمه الطرفان لتبادل الرسائل، أمّا إيران وحزب الله فيحاولان المحافظة على هذه الورقة. بالتالي فإنّ إسرائيل تجرّب الضغط العسكري لتحقيق ذلك بعد أن فشلت المحاولات الدبلوماسية، وقد يتزايد هذا الضغط لفرض التسوية أو قد يقود إلى عملية عسكرية أكبر في حال لم يتجاوب حزب الله.
في ظلّ هذا الواقع، رأى مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية في حديث لـ "العين الإخباريّة"، أنّ "جبهة إسناد غزة انتهت وبات الصراع في مكان آخر، بعد أن تحوّل من صراع بين إسرائيل وحركة حماس إلى صراع مفتوح مع إيران، بشروط وإطار مختلفين".
وأضاف: "بعد أن استعادت إسرائيل المبادرة على المستوى العسكري، فإنّ إيران لن تتّجه نحو المواجهة، أو على الأقل سوف تتردّد في الدخول في هذه المواجهة التي لم تُقرّر هي توقيتها، ولا ساحتها، لا سيما وأنّ منظومتها اليوم مخترقة بثغرات عدّة لا بدّ من معالجتها واستعادة عنصر المفاجأة من قبلها، حيث أنّ المعطيات الميدانيّة العسكريّة محدودة لدى الطرف الإيراني في الوقت الحالي، مستبعدًا أن تتّخذ طهران أي خطوة أو رهان يضعها في خطر المواجهة.
وتابع نادر قائلًا: "أمّا من الجانب الإسرائيلي، فإنّ الأمور مختلفة لأنّ موازين القوى مالت إلى صالحه في الفترة الأخيرة، بعد أن انتهى من العمليات العسكرية الكبيرة في غزة، وفي ظلّ التفوّق التكنولوجي الذي يظهر في عمليات الاغتيال التي تنفذها تل أبيب، وخصوصًا أنّها تحرّرت من الضغط من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تنحّى عن الاستمرار في السباق الرئاسي، وتستفيد من التنافس بين المرشحين الرئاسيين كامالا هاريس ودونالد ترامب، حول "الصداقة مع إسرائيل".
كما أوضح أنّ "التصعيد قد يكون هو الخيار المناسب لأسباب شخصية خاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإطالة عمره السياسي والهروب إلى الأمام من المأزق الذي يعيشه، وتحويل المعادلة إلى صالحه".
وأشار إلى أننا "في لحظة من التاريخ، إيران لا تريد الدخول في مواجهة كبيرة لأنها لا تملك مقوماتها، وإسرائيل تريد اقتناص هذه اللحظة لتكريس معادلة جديدة في جنوب لبنان، أو فيما يتعلق أيضًا بالملف النووي الإيراني"، وذلك بعد التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن منذ أسبوعين، بأنّ إيران على مسافة أسابيع من بناء قدرات نووية عسكرية، وهو موضوع لا بدّ من أخذه في عين الاعتبار في هذا الإطار، بحسب نادر.
في سياق متّصل أيضًا، رأى المحلل العسكري والاستراتيجي العميد نزار عبد القادر، في حديث لـ"العين الإخباريّة"، أنّ "إيران يجب أن تردّ بشكل منفرد إذا كانت تريد بالفعل استعادة عامل الردع الذي أخلّ به اغتيال إسماعيل هنية، ولكن يبقى الترقّب للتقييم الإيراني لمفاعيل الردع أي نسبة التأثير من خلال هذا الردّ على إسرائيل.
ولفت إلى أن لدى طهران مخاوف من أن تتحوّل هذه الخطوة إلى مغامرة كبيرة تضعها في مواجهة ليست مع إسرائيل فقط، وإنّما القوات الأمريكيّة في المنطقة أيضًا، وهو ما لا تريده طهران".
وتابع عبد القادر موضحًا أنّ "إيران دولة مساحتها كبيرة وأهدافها العسكريّة منتشرة على كلّ الأراضي الإيرانيّة، لذلك فإنّ إسرائيل لن تكون قادرة على خوض هذه المعارك المدمّرة معها، ولكن في حال تدخلت الولايات المتحدة فهنا تكون الحسابات مختلفة كليًا، حيث أنّ واشنطن قادرة على جعل إيران تتألم في حال تدخلت إلى جانب إسرائيل".
وفيما خصّ حزب الله، الذي يقول إنّه سيردّ على إسرائيل بعد مقتل قائده العسكري فؤاد شكر، فأشار عبد القادر إلى أنّ هذا الردّ أيضًا يخضع لحسابات كبيرة جدًا، كي لا يكون الردّ على الردّ مؤلمًا للحزب وللبنان ككل.
وأوضح أن حزب الله يضع ضمن الحسابات أنّ الإسرائيلي الذي تجرّأ على قصف مبنى في الضاحية الجنوبيّة لقتل شخص واحد، يمكن أن يشنّ عمليات قصف مؤلمة وحاسمة جدًا ضدّ أهداف تابعة له في الجنوب أو البقاع.
لكن في الوقت نفسه، يجب التطلّع، بحسب المحلل العسكري والاستراتيجي، ما إذا كانت إيران و"حزب الله" سيردّان ضمن منطق "وحدة الساحات"، أم سيردّون بشكل منفرد. ففي حال قرّر الطرفان الردّ في إطار "وحدة الساحات"، فعندها سيكون هناك من دون شكّ ضربات موجعة للداخل الإسرائيلي، مع تدمير بعض البنى الأساسية خصوصًا في المناطق الصناعيّة والحيوية، بما فيها بعض القواعد العسكرية.
من هنا، يرى عبد القادر أنّ "الحرب لها حساباتها، خصوصًا أنّ كلّ طرف يبحث في نوايا الطرف الآخر، ومن دون شك أن الولايات المتحدة لا تريد الدخول في حرب، ولكن في حال تعرضت إسرائيل لخطر معيّن، فإنّ الأمريكي سيتدخل بسهولة إلى جانب إسرائيل".
وختم معتبرا أنّ "كلّ الأطراف بما فيها إسرائيل، تريد الحفاظ على تثبيت الردع المتبادل وتوازن القوى والحدّ من الخسائر، ولكن في الحرب لا يمكن التأكيد أنّ الأمور ستجري وفقًا للخطط المرسومة، فقد يقع أحد الأطراف إمّا بسوء تقدير أو بخطأ كبير يقرأه الخصم بأنّه خطر يتجاوز الخطوط الحمر، ممّا يستدعي ردًا مقابلًا أقوى بكثير ممّا هو متوقّع، فتقع الحرب الكبرى".
وفيما ترتبك الحسابات تسود المنطقة ترقب حذر بانتظار ما ستؤول إليه "الحرب النفسية" التي يخوضها كلّ من إيران وحزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، وما إن كان قرار الردّ سيأتي ضمن إطار المواجهة المحدودة بين الطرفين، أم أنّ "وحدة الساحات" ستفرض ردًا موجعًا قد يؤدي إلى اشتعال نيران إقليميّة لا تحمد عقباها!