بعد نجاح الثورة الإيرانية، استبشر العرب والمسلمون بها خيرا لأنها أزاحت نظام الشاه بهلوي ورفعت شعارات براقة منذ بدايتها عام 1979
بعد نجاح الثورة الإيرانية، استبشر العرب والمسلمون بها خيرا لأنها أزاحت نظام الشاه بهلوي ورفعت شعارات براقة منذ بدايتها عام 1979 أغرت فيها الشعوب، مثل شعارات المقاومة والممانعة والوحدة الإسلامية ومساندة المستضعفين ومحاربة المستكبرين، وكذلك نصرة قضية فلسطين والقدس التى تمثل اهتماماً وتفاعلاً عربياً إسلامياً واسعاً؛ بسبب كون القدس الشريف ثالث الحرمين وأولى القبلتين ومحط معراج النبي إلى السماء، وما تمتلكه من هذا المخزون التراثي الإسلامي.
يبدو أن فيلق القدس الإيراني الذي يقوده قاسم سليماني ضل طريقه فهو يذهب إلى كل مكان في العقود الأربعة الماضية، ماعدا القدس لأنها خطوط حمراء لايسمح له نظام طهران بتجاوزها
كانت خطابات الخميني الحماسية في أول الثورة تستهوي البعض لأنها مفعمة بالعواطف والشعارات الكبيرة والآمال الحالمة ومنها قضية فلسطين والقدس، حتى توهم البعض أن أول ما يقوم به النظام هو تحرير القدس ومحاربة إسرائيل؛ وغفلوا عما يخفيه النظام من تحالف مع الأعداء من جانب، ومن جانب آخر الحقد والعداء والعنصرية ضد العرب والمسلمين، حيث ظهرت أول ظهورها ضد العراق في حرب ظالمة طالت ثمانية أعوام ثم ما لبثت أعانت الأمريكان على سقوطه عام 2003، ثم صنع المليشيات الطائفية وجرائمها اليومية الواسعة المشهودة في إبادات جماعية وقتل واختطاف وتغيير ديمغرافي.
أبقى الخميني على الجيش ومؤسسات الدولة والأجهزة الحاكمة حتى الاستخبارات والأجهزة الأمنية، لكنه أسس مؤسسات موازية لها تكون الأقوى مثل الحرس الثورى الإيراني بفرعيه الداخلي (السباه والبسيج والقوى الشعبية) والخارجي الذي أسماه (فيلق القدس)، ليتوهم أهمية القدس عنده ومحوريته فى الصراع مع إسرائيل غافلين عن التقية والمراوغة والخداع عند النظام.
كما أعلن الخميني يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من رمضان لتكون مسيرات ضخمة وخطابات ومؤتمرات بعنوان القدس ومساندتها لتستمر كل هذه العقود الأربعة. وصادفت هذه الجمعة الأخيرة من رمضان لنشاهد المسيرات فى إيران وتوابعها في الخارج مثل بغداد حيث الميليشيات الطائفية التابعة لها ترفع الأعلام الإيرانية والحرس الثوري والقيادات الإيرانية في استعراضات كبيرة في ساحات وشوارع بغداد وغيرها، وكذا يحصل ما يشابهه لحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وأيضا سوريا ... وخطابات رنانة لتسويق المشروع الإيراني وخدمة القيادة الإيرانية العنصرية.
جمعة القدس لهذا العام تحظى باهتمام خاص عند النظام الإيراني لأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن عن إلغاء الاتفاق النووي واعتبار إيران الدولة الإرهابية ونقله للسفارة الأمريكية إلى القدس فإيران تريد الاستثمار في قضية القدس لمصالحها في مواجهة ترامب من خلال الساحة الفلسطينية.
في الحرب العراقية الإيرانية كان شعار النظام الإيراني أن (طريق القدس يمر من كربلاء)، وأزهقت الأرواح البريئة والجرائم الكبيرة دون تقدم خطوة نحو فلسطين، وفي سوريا طريق القدس يمر من حلب والسيدة زينب، واليوم شعارهم (طريق القدس يمر من مكة والمدينة) لأن المملكة العربية السعودية بلد الحرمين الشريفين تمثل القلعة الكبيرة أمام المشروع الإيراني الإرهابي وأدواته في المنطقة، وهذا يمثل جزءا من العقيدة الإيرانية لمن غبرها ودرسها. من هنا عبر الأمير محمد بن سلمان عن المرشد بهتلر في أفضل وأصدق تعبير عن الحقيقة العدوانية للمرشد الإيراني.
يبدو أن فيلق القدس الإيراني الذي يقوده قاسم سليماني ضل طريقه فهو يذهب إلى كل مكان في العقود الأربعة الماضية ماعدا القدس لأنها خطوط حمراء لايسمح له نظام طهران بتجاوزها، حيث كشف "تريتا بارسي" فى كتابه "التحالف الغادر بين إيران وأمريكا وإسرائيل" عن التحالف الحقيقي واللقاءات الكثيرة والتي حضرها شخصيا بين قيادات هذه الدول الثلاث دون عداء حقيقي كما توهمه الشعارات الإيرانية لاسيما "الموت لأمريكا و "الموت لإسرائل" وخطابات المرشد الهزيلة التي باتت مسخرة لشعوب العالم.
دخلت إيران فى الساحة الفلسطينية من خلال صنع الخلاف والفرقة بين الفلسطينيين بل دعم جهة متطرفة متشددة كحماس والجهاد ومدّها بالمال والسلاح لتمزيق الساحة الفلسطينية وضرب السلطة الشرعية الفلسطينية واستثمار الخلاف الفلسطيني لمصالحها ومشروعها في المنطقة كما فعلته في الدول الأخرى التي مزقتها مثل دعم الإسلام السياسي في العراق والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والنظام البعثي في سوريا لقتل شعبه كما تحدثنا بالتفصيل عنها في كتابينا "الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط" و"إيران من الداخل".
لقد ناصر الإسلام السياسي بفرعيه السني والشيعى بالثورة الإيرانية حتى توهم البعض أن النظام الإيراني وفيلق القدس سيقوم بتحرير القدس وفلسطين كأولوية له منذ البداية؛ لكن الواقع أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه أبعد ما يكون عن القدس وفلسطين، بل إن فيلق القدس يجول العالم دون فلسطين حتى قام فيلق القدس بالمجازر والجرائم في مختلف دول العالم لأنه ببساطة متحالف مع أعداء الأمة منذ "قورش" 2500 عام وحتى الآن لفهم المخيلة الفارسية والخارطة كاملاً كما في كتابنا "التشيع العربي والتشيع الفارسي" وغيره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة