من المؤكد أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأن لحظاته وحوادثه متفردة في ذاتها، لا تتكرر مطلقا.
من المؤكد أن التاريخ لا يعيد نفسه، وأن لحظاته وحوادثه متفردة في ذاتها، لا تتكرر مطلقا، ولكن في الواقع إننا نرى تكراراً في حوادث التاريخ بصورة تكاد تصل إلى حد التطابق، ليس لأن التاريخ يعيد نفسه، ولكن هناك من يعيد تمثيل المشاهد التاريخية بكل إتقان وغباء.
للأسف من الواضح أن عقدة صدام حسين أعادت صياغة العقل السياسي الإيراني، فجمعت القيادة الطائفية الحالية بين ميراث الخميني وصدام حسين في توظيف مواجهة الغرب لتبرير الجرائم البشعة في حق الشعب.
المشهد في مضيق هرمز اليوم هو إعادة تمثيل لمشهدين تاريخيين بكل إتقان وغباء، أولهما مشهد إغلاق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لمضايق تيران وصنافير في مدخل خليج العقبة قبيل حرب 1967، وهذا الإغلاق اعتبر حصاراً لإسرائيل بررت به عدوانها على مصر وسوريا؛ ذلك العدوان الذي لم نزل ندفع أثمانه الباهظة حتى اليوم. والمشهد الثاني مشهد صدام حسين قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وعلى الرغم من أن مشهد التضييق على الملاحة الدولية في مضيق هرمز يقترب من حيث الشكل مع إغلاق مضايق تيران وصنافير عام 1967، إلا أن أداء القيادة الإيرانية هو صدَّامي بكل معنى الكلمة من العنجهية والشعبوية، والاستعراضية الجوفاء. فحين تجد السيد علي خامنئي الذي لا يملك إلا يدا واحدة، ويطلق على مثله العربُ "أكتع"، أي مشلول اليد، نجد سماحته يخطب الجمعة حاملا بندقية لا يستطيع أن يستعملها من أكرمه الله بيد واحدة.. مشهد صدَّامي بامتياز، يعيد للأذهان صورة الرئيس الراحل صدام حسين وهو يطلق النار من بندقية يحملها بيد واحدة.
تكرر القيادة الإيرانية نفس أساليب صدام حسين قبيل غزو العراق 2003، خطاب شعبوي غارق في الأوهام؛ بعيد كل البعد عن معطيات الواقع، موجه للداخل، ويتعامل بعماء كامل مع الخارج. كل ما تفعله القيادة الإيرانية هو لضمان التفاف الداخل الإيراني، أو بعبارة أكثر دقة لضمان تماسك البيت الطائفي في إيران والعراق ولبنان واليمن، ولضمان كسب ثقة الأتباع والعملاء بتلك الدول، وعدم تخليهم عن حلم استعادة الإمبراطورية الفاطمية من طهران هذه المرة، وليس من القاهرة.
هذا المشهد البائس يشجعه ويدفعه إلى الإيغال في تمثيله ذلك الأداء المسرحي الذي تقوم به عجوز أوروبا وأحفادها في العالم الجديد.. حالة التراجع المستمر من قبل بريطانيا وأمريكا، ومواجهة كل هجوم سياسي ودبلوماسي وعسكري إيراني بإعلان الرغبة في التفاوض، والحوار، وإبداء عدم الرغبة في المواجهة العسكرية. هذه الحالة من إظهار الضعف، وعدم الرغبة في المواجهة، وإيثار السلامة من خلال التمسك بالحوار والتفاوض، وإظهار الوجل من الحرب تدفع القيادة الإيرانية إلى المزيد من ردود الأفال الصِدَامية الصدَّامية.
ما لا تدركه القيادة الطائفية الأيديولوجية الشعبوية في إيران أن من عادة بريطانيا ووريثتها أمريكا إظهار الضعف، والتمسك بالحوار رغم هجوم الخصم، لتهيئة الأجواء الدولية والمحلية للانقضاض عليه.
لا يستطيع العالم أن ينسى مشهد وزير الخارجية الأمريكي "كولن بأول" وهو يؤدي نفس المشهد في مجلس الأمن، مشهد الخوف من الهجوم النووي والكيميائي العراقي الذي سيهدد بزوال الحضارة الغربية ومعها العالم، وبعدها اكتشف العالم أن العراق لم يكن يملك من تلك الأسلحة إلا مبيدات الصراصير.
لقد أثبتت القيادة الطائفية في إيران أنها في خضم حالة الهوس بالسيطرة على العالم الإسلامي، وإعلاء خطاب ديني طائفي مغرق في الخرافية تخلت تماما عن الحكمة الفارسية التي علمت العالم السياسة في قديم الزمان، وأنها تتعامل مع موقف في غاية التشابك والتعقيد بعقلية المراهق الذي تشغله صورته عن حقيقة مصالحه، وعن مصيره، وأنها تقود المنطقة إلى مواجهة لا يريدها أحد في الخليج أو العالم العربي، حيث هناك إجماع في المواقف السياسية لدول الخليج العربي على أنها لا تريد حربا في المنطقة، وأنها تدعو لأن تستجيب القيادة الإيرانية للمنطق والعقل وتتخلى عن استراتيجيات تصدير الثورة، ومن ثم التدخل في شؤون الدول الأخرى لتغيير نظم الحكم لصالح أقليات طائفية غائبة عن الواقع، غارقة في تاريخ الأوهام التي لم تتحقق مرة واحدة في التاريخ.
لم يطلب أحد من إيران أكثر من أن تكون دولة طبيعية تعترف بالقانون الدولي، وبحقوق الدول المجاورة، وتؤمن بأن سيادة الدول الأخرى يجب أن تُحترم، وأن العلاقات مع باقي الدول تقوم على الاحترام المتبادل، وعدم المساس بسيادة ومصالح الدول الأخرى، وهذه يتطلب ألا يكون هناك فيلق للقدس يتدخل في العديد من الدول العربية ولا يقترب من القدس، وأن مليشيا الحرس الثوري والباسيج تحولتا إلى منظمات إرهابية تعبث في سوريا والعراق واليمن، وأن خلق وتمويل ودعم حزب الله وجماعة الحوثي هو اعتداء على سيادة لبنان واليمن، وأن إنشاء وتسليح الحشد الشعبي الإرهابي الذي تطلق عليه إيران "الحشد الشعبي المقدس" هو وصفة شيطانية لخلق حرب أهلية في العراق.
ليس مطلوبا من إيران شيء إلا أن تكون دولة محترمة في إقليمها، تعرف حدودها كدولة، وتحترم حدود الدول الأخرى، ولا تتدخل في شأنها، وهذا يستلزم أن تتخلى تماما عن العقلية الصِدَامية الصدَّامية التي تتحكم فيها اليوم.. وللأسف من الواضح أن عقدة صدام حسين أعادت صياغة العقل السياسي الإيراني، فجمعت القيادة الطائفية الحالية بين ميراث الخميني وصدام حسين في توظيف مواجهة الغرب لتبرير الجرائم البشعة في حق الشعب.
نقلاً عن "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة