خامنئي وانتخابات إيران.. "عسكرة الرئاسة" وخريف السلطة
جنرالات من الحرس الثوري يحاول المرشد الإيراني علي خامنئي الدفع بهم لخوض الانتخابات الرئاسية سعيا لـ"عسكرة" المنصب وإحكام القبضة.
اقتراع يعتبر محطة بالغة الأهمية بالنسبة لنظام سياسي تطوقه التحديات والمخاطر من كل جانب، وفي وقت كسر فيه الرفض الشعبي حاجز الخوف، وباتت الاحتجاجات روتينا متفجرا في جميع أنحاء البلاد.
حيثيات تشي بأن الانتخابات المقررة في يونيو/حزيران المقبل، سترسم مستقبل نظام المرشد، وقد تعصف بأعمدة دولة دينية تناقض أدبياتها التأسيسية باقتراع يعتبر من سمات الأنظمة الديمقراطية، وإن اختلفت جرعاتها حسب الدول.
اختبار يعبث بخامنئي في أيام صعبة تطيل أمد خريف السلطة في طهران، بالتزامن مع تحديات داخلية وخارجية، فضلا عن التنافس التقليدي بين التيارين الإصلاحي والمتشدد، وفي ظل وجود إدارة أمريكية جديدة.
عسكرة الرئاسة
يجزم محللون أن خامنئي لم يشهد فترة عصيبة في حياته شبيهة بما يمر به حاليا، وهو يحاول جاهدا تركيز السلط بيد الحرس الثوري بهدف الهيمنة على مفاصل الدولة، التشريعية والتنفيذية، حتى يكون بمقدوره السيطرة على السياسة الخارجية.
وتبعا لذلك، يحرص المرشد الإيراني على الدفع بمرشحين للانتخابات الرئاسية من الحرس الثوري المتشدد، أبرزهم القيادي حسين دهقان وزير الدفاع السابق، والقيادي في التنظيم ذاته، وسعيد محمد، قائد "مقر خاتم الأنبياء" التابع للحرس الثوري.
كما تتحدث تقارير إعلامية إيرانية عن ترشيح رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، والأخير جنرال سابق في الحرس الثوري، وأسماء أخرى تمنح مراقبين قناعة راسخة بأن خامنئي يدفع باتجاه "عسكرة الرئاسة"، عبر حرب تستهدف سيطرة العناصر المقربة منه، لإحكام قبضته والهيمنة الكاملة على الدولة.
ورغم رفض الشارع الإيراني للنظام القائم، فإن عدم خضوع الانتخابات في البلاد لمعايير الديمقراطية المتعارف عليها، يمنح جنرالات الحرس الثوري حظوظا للوصول إلى السلطة.
حظوظ تدعمها هيمنة القادة السابقين بالحرس الثوري على البرلمان الحالي، علاوة على طبيعة النخبة الراديكالية المحيطة بخامنئي، يضاف إلى ذلك فشل التيار الإصلاحي، بالسنوات الماضية، في إعادة ترتيب صفوفه بشكل يضمن له عودة لائقة للمشهد.
فالإصلاحيون ظلوا على الهامش وذلك منذ فشل تجربة محمد خاتمي على يد محمود أحمدي نجاد، وهو ما منح المجال واسعا أمام المتشددين للاستحواذ على السلطة، وسط توجه عام نحو عسكرة الدولة، وهو ما قد يتعزز في صورة وصول أحد جنرالات الحرس الثوري إلى الرئاسة.
لكن، وبغض النظر عن سيناريوهات الاقتراع المقبل، يرى محللون أن كل ما يحدث في إيران يؤشر على التخبط الحاد والهلع المطبق على خامنئي، خوفا من مفاجآت يدرك أنها ستدك حكمه وتقوض الدولة الدينية التي منحته صلاحياته الحالية.
مخاوف سليلة واقع داخلي يرفع "الكارت الأحمر" بوجه النظام، علاوة على نشاط الجماعات الكردية المسلحة والأحواز العرب، وتمركز المقاتلين السوريين على الحدود الشمالية الغربية لإيران على خلفية الحرب الأرمنية الأذرية.
خريف السلطة
في خطاب ألقاه الأربعاء الماضي، بدا خامنئي محبطا يائسا من مشاركة الإيرانيين في اقتراع يدرك -كما الجميع- أنه لا يعدو أن يكون سوى مسرحية.
قال: "عندما يشارك أبناء الوطن في الانتخابات ويعبروا عن حماسهم الثوري، فإن ذلك سيحقق الأمن وردع العدو، ويقلل من شهوة الطمع في البلاد".
وتابع: "لدي الكثير لأقوله عن الانتخابات في الأشهر المقبلة، وأؤكد أن علاج الآلام المزمنة للوطن يكمن في حماسة الانتخابات والمشاركة العامة للشعب واختيار المرشح الأصلح المناسب في الانتخابات الرئاسية".
محللون يرون أن كلمات خامنئي تستبطن شعورا جازما بسقوط وشيك، وإحساس مر بأن الأوان فات ولم يعد لديه قدرة على التظاهر، وفشلت عبثيته في الحشد وادعاء ازدهار مسرحية الانتخابات.
كما أن "اختيار المرشح الأصلح المناسب" للرئاسة يعني بالنسبة له، تعيين موال له في مرحلة انكماش نظام حكمه، يتمتع بمواصفات قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري، أي استنساخ واحدة من أتعس تجارب الإيرانيين.
وفي خطابه نفسه، قال خامنئي أيضا: "إنهم دائما ما يبادرون بإطلاق تصريحات عند اقتراب الانتخابات من قبيل أنها انتخابات غير حرة وتمت فبركتها مقدمًا؛ بغية إصابة المواطنين بخيبة الأمل".
تصريح يتضمن اعترافا مسبقا بفبركة الاقتراع، وقناعة ضمنية بأن كل ما يقوله لا يعدو أن يكون سوى غوغاء سياسية ترمي لذر الرماد في عيون باتت على قناعة بحقيقة ما يحدث، ورافضة لمسرحيات رديئة الإخراج منذ 4 عقود.
مضامين بين السطور تدعمها حركة الجسد، تشي بأن النظام الإيراني سيواجه أياما صعبة تنبض على إيقاع الاحتجاجات والعصيان أيضا، وترسم ملامح مستقبل دولة بنظام مختلف.