أوضاع العراق كانت ستكون أفضل لو فتح أبوابه على جيرانه مثل السعودية على سبيل المثال وليس الحصر.
لا تزال إيران تتردد في ثقتها بالمليشيات العراقية الموالية لها، فكراً وعقيدة ونهجاً، إذ إنها رغم مناصرة غالبية المليشيات والبالغة عددها أكثر من 67 مليشيا، لكنها لا تزال خائفة ومترددة. تعتقد إيران واهمة أنها تتمكن من مواجهة أمريكا عن طريق أذرعها المتعددة، وبعضها أصبح خارج سيطرتها، وبعضها الآخر مرتبط بها تمويلياً. لم تكتفِ بذلك، بل بدأت تمّد يدها إلى سنّة العراق، خاصة من خلال النوّاب الطامعين بالنفوذ ومنافسة زملائهم في مجلس النوّاب. كل ذلك بحجة تهديدات داعش الإرهابية. لكنهم يخشون من أن يتحول العراق إلى نسخة أخرى من إيران، بسحب العراق بعيداً عن هويته العربية والوطنية.
لا شك أن نظام المليشيات المعتمد من قبل إيران قد غزا العراق من شماله إلى جنوبه، بمختلف الأشكال. هذه المليشيات وغيرها صنفتها الولايات المتحدة على أنها فصائل إرهابية، وعلى الخصوص المتطرفة جداً منها مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء بالذات. وبصورة عامة إن جميع المليشيات متشابهة في تكوينها، وهي الخروج على القوانين، كما أن أغلبها يطيع أوامر الولي الفقيه وقاسم سليماني والحرس الثوري منذ الغزو الأمريكي للعراق حتى الوقت الحاضر بعد أن شرعنتها المرجعية.
لا يتعلق الموضوع بإشاعة الفوضى من خلال المليشيات فقط، بل تسعى إيران إلى تركيع العراق اقتصادياً من أجل الحفاظ على استمرارية صادراتها إلى العراق. وهذه المليشيات تسهّل استمرارية هذه الصادرات من خلال القتل والحرق والتدمير والتفجير، التي اشتدت بعد فرض العقوبات الأمريكية، وشعور إيران بالاختناق. الأخطر من ذلك هو أن إيران تغرق هذا البلد الذي وصل إلى العلمانية وانتهى من الأمية باعتراف اليونسكو، بالبدع والخرافات والفتاوى المزيفة.
مما لا شك فيه أن أوضاع العراق كانت ستكون أفضل لو فتح أبوابه على جيرانه مثل السعودية على سبيل المثال وليس الحصر، لكنه للأسف الشديد، لا يزال يتخبط في الاقتصاد الإيراني بسبب تبعيته وخضوعه ودونيته، خاصة بعد فرض العقوبات الأمريكية عليها
إن تفاقم الأزمة في إيران أفقدها صوابها، خاصة فيما يتعلق بخشيتها من ضياع نفوذها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وأفغانستان، لأن العقوبات الأمريكية فضحت المستور من هشاشة هذا النظام. ما يهم إيران هو نفوذها في المنطقة عبر أذرعها، وما تشيعه من فوضى يسهّل لها عملية السيطرة على البلدان المذكورة.
إن فرض العقوبات على إيران كشف أسراراً كبيرة في مجال تهريب الأموال العراقية إلى ايران، والاستفادة منها، حتى لو تطلب الأمر تزويرها من أجل الحصول على العملات الصعبة. لا يهم إيران أن تدمّر أربعين مليون عراقي بأساليبها الخبيثة بعد أن أدركت أن القادة العراقيين لا يضعون مصالحه العليا فوق ولاءاتهم السياسية.
هذا وتروّج إيران لما تطلق عليه مع أذرعها بجبهة المقاومة التي من شأنها أن تضع العراق على تضاد من الولايات المتحدة، لفرض سيطرتها والخروج من أزمتها الاقتصادية. ومن ناحية أخرى، يسعى حكّام العراق أن يظهروا بمظهر المحايد، عبر عملية تضليل واضحة، لكنهم عملياً مرتبطون بإيران دينياً وعقائدياً وفكرياً.
ولعل أكبر دليل على ذلك موقف العراق الهزيل من قمة مكة مؤخراً، وبذلك يمارس العراق لعبة الظاهر والباطن، هنا وجدت إيران في العراق عمقها الاستراتيجي وحديقتها الخلفية من أجل التغطية على أوضاعها المتردية في الداخل من تدهور العملة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إلى مرحلة الاختناق، ولا يمكن أن تخرج من هذه الأزمة سليمةً ومعافاة.
والسؤال المطروح هو لماذا يتحمّل العراق عبء إيران الثقيل؟
لا أحد ينكر الهيمنة الإيرانية على الاقتصاد العراقي، وتدمير صناعاته الصغيرة النابضة بالحياة والحيوية قبل الاحتلال الأمريكي، ما دفع إيران بالإيعاز إلى تفكيكها وبيعها لها. فأصبحت إيران هي المنتجة والعراق هو المستهلك بعد أن كان العراق سيد نفسه في هذا الميدان.
وسرعان ما أصبحت علامة "صُنع في إيران" تنتشر في أرجاء العراق مثل انتشار النار في الهشيم، ما زاد من معدلات البطالة التي وصلت أوجها بالمقارنة مع البلدان العربية. ومن أوجه الهيمنة الإيرانية على العراق امتلاكها نحو 11 مصرفاً في العراق، بالإضافة إلى حصة ستة مصارف عراقية أخرى، حسب الإحصاءات الأخيرة.
إن هذه الهيمنة الإيرانية الخانقة على جميع مجالات الحياة في العراق أبعدته عن محيطه العربي، ولم يستفد من الاستثمارات الإيرانية أبداً. كما أن تنوع الخيارات العراقية من شأنه أن يعطي الاقتصاد العراقي دينامية جديدة بدل الركود الذي يتميّز به الاقتصاد الإيراني.
مما لا شك فيه أن أوضاع العراق كانت ستكون أفضل لو فتح أبوابه على جيرانه مثل السعودية على سبيل المثال وليس الحصر، لكنه للأسف الشديد، لا يزال يتخبط في الاقتصاد الإيراني بسبب تبعيته وخضوعه ودونيته، خاصة بعد فرض العقوبات الأمريكية عليها.
إن بناء الدولة الناجحة وتطوير العلاقات مع المحيط العربي والإقليمي والعالمي لا يمكن أن يتم بالصيغ الدينية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها إيران على العراق الذي بعد أن شهد عهود التنوير والانفتاح والعلمانية.
فهل يستيقظ العراق من سباته وتبعيته في القريب العاجل؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة