إيران تدرك أن وقف صادرتها من النفط هو نهاية لمشروعها الطائفي في المنطقة.
لا شك أن تفجير ناقلتي نفط في بحر عُمان طرح سؤالاً حول حدود الرد المتوقع من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لردع طهران، بعد سلسلة الاستفزازات الإيرانية التي استهدفت ناقلات نفط خارج المياه الإقليمية الإماراتية، وقيام مليشيا الحوثي الإرهابية بقصف مضخات البترول في المملكة العربية السعودية، وإطلاق صاروخ كروز على مطار أبها المدني، فهل الرئيس دونالد ترامب مستعد لدخول حرب في ظل استعداده للانتخابات الرئاسية؟ وهل الدول الأوروبية على استعداد لاتخاذ خطوات أبعد من الشجب والإدانة ومحاولة التوسط وتقريب وجهات النظر؟
يتوهم نظام الملالي أن هناك ثغرة في الاستراتيجية الأمريكية للتعامل مع إيران في الوقت الحالي تقوم على أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير مستعد للدخول في حرب كبيرة في الشرق الأوسط وهو يستعد للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2020.
خاصة أن دخول الديمقراطي جو بايدن المنافسة الرئاسية سيجعل ترامب أكثر تركيزاً على القضايا الداخلية والسباق الرئاسي أكثر من اهتمامه بشن حرب على إيران، لكن هذا الوهم الإيراني ينسى أو يتناسى أن هذه الرعونة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول عالمياً لأكثر من 100 دولار للبرميل الواحد، ووقتها سيكون انتخاب ترامب للفترة الثانية على المحك.
وهذا قد يدفع الإدارة الأمريكية للقيام برد عسكري صارم ضد إيران، خاصة أن ردود أفعال الأسواق العالمية بعد ساعات من الهجوم على ناقلات النفط في بحر عمان كانت قوية، وزاد سعر النفط 4%، كما أن شركات التأمين على الناقلات زادت من تكلفة التأمين في منطقة الخليج وبحر عمان، وأعلنت بعض الشركات المالكة لناقلات النفط أنها تدرس عدم تأجير ناقلاتها للعمل في منطقة مضيق هرمز.
إيران تدرك أن وقف صادرتها من النفط هو نهاية لمشروعها الطائفي في المنطقة، وأن القيام بعمليات إرهابية ضد ناقلات النفط في مضيق هرمز وبحر عمان سيعزز موقفها التفاوضي مع واشنطن
من هذا المنطلق فإن الحسابات الإيرانية بشأن رد الفعل الأمريكي خاطئة تماماً، واستبعاد طهران للرد العسكري الأمريكي لا يتفق مع «أبجديات» التعامل مع القوى العظمى.
كما أن هجمات بحر عمان لن تدفع الولايات المتحدة للتراجع عن «تصفير» مبيعات النفط الإيرانية، بل على العكس سيكون المجتمع الدولي بما فيه الدول الآسيوية التي تشتري النفط الخليجي، أكثر دعماً لأي إجراء أمريكي ضد طهران، وأصبحت إيران مهددة بأن تخسر أقرب حلفائها في الهند والصين إذا ما عرقلت مبيعات النفط، حيث تعتمد الهند والصين على أكثر من 90% من وارداتها النفطية من منطقة الخليج.
وبجانب رد الفعل الأمريكي يجب على أوروبا القيام بثلاث خطوات رئيسية وهي انسحاب بريطانيا وألمانيا وفرنسا من الاتفاق النووي 5+1 الذي أصبح 4+1 بعد انسحاب الولايات المتحدة في مايو 2018؛ لأن بقاء هذه الدول الأوروبية الثلاث في الاتفاق المعيب يرسل «رسالة خاطئة» لإيران بأن المجتمع الدولي منقسم حول هذا الاتفاق.
كما يتوجب على الدول الأوروبية الإعلان رسمياً عن وفاة آلية «أنستكس» وأن زمن حصول إيران على دعم أوروبي انتهى بلا رجعة، والأهم من كل ذلك ضرورة إعلان الدول الأوروبية أن مليشيا إيران في المنطقة بما فيها «حزب الله» و«مليشيا الحوثي» جماعات إرهابية.
وبالفعل تقدم مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بطلب للحكومة الألمانية بإدراج حزب الله كجماعة إرهابية، وإدراج مليشيا الحوثي كتنظيم إرهابي، وليس أمام الأوروبيين أي خيار سوى القيام بهذه الخطوات بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي بأن خلاصات المخابرات الأمريكية تؤكد وقوف إيران وراء تفجيرات بحر عمان.
إذاً، ما دلالة توقيت هجوم إيران وأذرعها على الأهداف النفطية والمدنية، رغم حديث الولايات المتحدة الأمريكية عن استعدادها لحوار بلا شروط مسبقة مع إيران قبل هذه الهجمات، ولماذا تزامنت هذه الأحداث مع زيارة رئيس الوزراء الياباني لطهران؟
إيران تدرك أن وقف صادرتها من النفط هو نهاية لمشروعها الطائفي في المنطقة، وأن القيام بعمليات إرهابية ضد ناقلات النفط في مضيق هرمز وبحر عمان سيعزز موقفها التفاوضي مع واشنطن، بل وسيقلل من هامش الضغوط الأمريكية بإدراج قضايا مثل البرنامج الصاروخي، ونشاط مليشيات إيران في المنطقة، وبالتالي هي تعتقد أن رفع سقف التفاوض.
والقيام بعمليات إرهابية ربما يعزز من أوراق الخداع والابتزاز للمجتمع الدولي الذي دأبت عليه إيران في عهد أوباما، لكن المؤكد الآن أن هناك وعياً عالمياً متزايداً بخطورة وخطأ الحسابات الإيرانية، وأن العالم والولايات المتحدة وأوروبا أكثر جاهزية لمعاقبة إيران على كل نشاطها الإرهابي ضد جيرانها وضد الملاحة العالمية.
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة