الظروف التي طرأت على الساحة الآن ستدفع أمريكا للانتباه لما تم تجاهله لسنوات من انتهاكات قامت بها مليشيات إيران.
كم يبلغ عدد المليشيات المسلحة الممولة إيرانياً، والممتدة من إيران إلى لبنان، والعراق، وسوريا واليمن، ومثلها في الكويت، والبحرين، والسعودية؟
ما نوع الأسلحة التي تستخدمها؟ والأهداف التي وجهت لها أسلحتها؟ وكم يبلغ عدد ضحاياها من المدنيين ورجال الأمن في الدول التي تقاتل فيها؟ كم منها مدرج على قائمة الإرهاب الأميركية؟ وكم منها أُدرِج في قائمة الإرهاب للتحالف الرباعي؟
ظروف كثيرة ومتغيرات طرأت على الساحة الأميركية اليوم تساعد على الالتفات لما تم تجاهله لسنوات، والنظر من جديد «أكاديمياً» إلى «الإرهاب» الذي ترعاه إيران مثلما تمت إعادة النظر فيه «سياسياً»
ليجرّب أحدكم البحث عن دراسات وأبحاث مكتوبة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، وتتعلق بتلك المليشيات المسلحة التي تموّلها إيران تحت بند الإرهاب أو التنظيمات الإرهابية، «حزب الله» قد يكون الوحيد من تلك التنظيمات الذي حظي بالاهتمام البحثي، وربما يعود السبب لضلوعه بالهجوم على المارينز الأميركيين في بيروت في الثمانينيات، وضلوعه بهجوم على المارينز في مدينة الخبر في التسعينيات، أما غيره من المليشيات التي تموّلها إيران، وبخاصة تلك التي تنشط في العراق وفي دول الخليج العربي فسيجد صعوبة في العثور على ما يربطها بالإرهاب في مراكزهم البحثية.
فهناك مراكز أبحاث أجنبية تصنّف الإرهاب على أنه «سني» الطابع، كما توجد آلاف الأبحاث والدراسات بالإنجليزية تتعلق بتنظيمات مثل «القاعدة» ومن ظهر من تحت عباءتها، وسنرى كم المعلومات التفصيلية لباحثين اهتموا منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 بدراسة مثل هذه التنظيمات والغوص في عقيدة مؤسسيها، لكننا سنجد صعوبة في العثور على دراسة أو بحث أو حتى مقالات تتناول المليشيات المسلحة ذات الطابع «الشيعي» مدرجة تحت بند الإرهاب.
تقول لي طالبة سويسرية تحضّر للدكتوراه في جامعة «تافت» الأميركية، التي تعد رسالتها حول التنظيمات الإرهابية ذات الطابع الشيعي في منطقة الشرق الأوسط، إنها اضطرت إلى قطع العمل في رسالتها من أجل تعلم اللغة العربية أولاً؛ علها تجد مصادر بحثية مكتوبة باللغة العربية تساعدها في فهم طبيعة تلك التنظيمات، وشخصياً أعتقد أنها ستجد الصعوبة ذاتها!
لذلك؛ دهشت حين رأيت دراسة من «مركز مكافحة الإرهاب» في وست بوينت في الولايات المتحدة تتعلق «بتطور التمرد الشيعي في البحرين» المنشورة قبل أيام عدة للباحثَيْن مايكل نايت وماثيو ليفيت، وهي لقياس المتغيرات التي طرأت على هذا «التمرد» منذ عام 1981 وحتى عام 2017، حيث أُدرجت بعض تنظيماتهم التي تأسست تحت رعاية الحرس الثوري الإيراني على قوائم الإرهاب الأميركية، مثل «سرايا الأشتر» و«سرايا المختار» من حيث طبيعة أهدافهما ونوعية تسلحهما وعدد ضحاياهما وأساليب عملهما من تهريب وتخزين للأسلحة وتكتيكاتهما العسكرية، وقد توصلت الدراسة إلى أن التمرد نقل مسرح عملياته من استهدافه للأجهزة الأمنية إلى استهداف الأجهزة العسكرية؛ نظراً لطبيعة الأسلحة المهربة التي عثر عليها، وكثير منها مضاد للدروع! وتتوقع الدراسة مزيداً من التنسيق والتعاون بين تلك التنظيمات ونظيراتها في شرق المملكة العربية السعودية مستقبلاً؛ تمهيداً لنقلها لبقية دول الخليج.
دهشت لأن المركز منذ تأسيسه عام 2003 تخصص في دراسة التنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة ومن خرج من تحت عباءته، ونحن في البحرين نعاني من إرهاب بعض التنظيمات منذ ما يقارب الأربعين عاماً، أي من عمر الثورة الإيرانية، ولم يلتفت أحد من تلك المراكز لدراستها، وها هو اليوم أحدها يلتفت إلى ما تم تجاهله لسنوات، وبخاصة الأخيرة منها التي شهدت زيادة في وتيرة الإرهاب الذي ترتكبه المليشيات الممولة إيرانياً، والتي تنطلق من منطلقات عقائدية شيعية، مع زيادة في جرعة التعتيم عليها، حيث تدخلت الإدارة الأميركية السابقة في أكثر من أعمال استقصائية وبحثية لمنع نشرها إكراماً لتمرير الاتفاق النووي الإيراني.
كما أكدت صحيفة «التايمز» البريطانية عبر تقرير يقول فيه بور دنغ من واشنطن، إن إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما «عرقلت تحقيقاً» بشأن مزاعم حول ضلوع «حزب الله» في تهريب المخدرات والسلاح، وفوتت فرصة اعتقال مشبوهين، من أجل «تسهيل التوصل إلى اتفاق مع إيران» بشأن مشروعها النووي.
وبحسب التقرير، فإنه يعتقد أن العراقيل التي وضعتها إدارة أوباما «ضيّعت» على المسؤولين في الوكالة فرصة وضع أيديهم على «الشبح»، أهم العناصر المطلوبة في التحقيق، والذي يعتقدون أنه في بيروت، ويتهمونه بتوفير الأسلحة الكيماوية للرئيس بشار الأسد في سوريا، بالإضافة إلى تهريب المخدرات والأسلحة الأخرى (موقع «بي بي سي»).
ظروف كثيرة ومتغيرات طرأت على الساحة الأميركية اليوم تساعد على الالتفات لما تم تجاهله لسنوات، والنظر من جديد «أكاديمياً» إلى «الإرهاب» الذي ترعاه إيران مثلما تمت إعادة النظر فيه «سياسياً»، وقد تكون تلك الدراسة بادرة تحتاج إلى مزيد من العناية ورفد تلك المراكز بالمعلومات، كما يتطلب ذلك وجود مصادر أكاديمية بحثية ذات لغة علمية رصينة؛ حتى وإن كانت باللغة العربية تُعنى بظاهرة تلك المليشيات، ويتطلب حركة ترجمة تساعد الآخرين على فهم طبيعتها وطبيعة التنظيمات التي تنتمي إليها.
ومع الأسف، لا يوجد إلا عدد محدود من المراكز البحثية الأمنية المتخصصة في منطقتنا، ومركز متخصص واحد في منطقتنا لدراسة الشؤون الإيرانية هو «مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية».
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة